18 يونيو 2012

مرايا قاتمة.. شفيق يخوض غمار البكالوريا..


طلب مني المدير الناشر أن أخوض الامتحان بالنيابة عن بنته الصغرى.. و أنتم تعلمون أن كل شيء يمكن أن يخاض بالوكالة.. حتى الحروب تخاض بالوكالة فما ظنك بالامتحانات..
ذهبت إلى صالون التجميل و بدأت بوضع الخضاب على يدي و قدمي.. كلفني ذلك مبلغا هاما.. و لكنني أضفته إلى الفاتورة التي أعدها للمدير الناشر حول المحروقات هذا الشهر.. فأوجه الصرف معروفة لدى الإدارات.. و ليس منها مصاريف التجميل و لا مصاريف المناسبات الاجتماعية.. و أذكر هنا من قالوا إن وزارة الثقافة في (ساؤتومي و برينسيب) قد عوضت الفنانين الذي أنعشوا حفل زواج لابنة السلطان إن ذلك زور و بهتان..
فالوزارة قد بوبت ذلك في مصاريف الهاتف.. لأنها ليس لديها بند مالي من أوجه الصرف يسمى عرس بنت السلطان..
أعدت لي صاحبة الصالون ضفائر طويلة و شديدة السواد.. لو رآها الشعراء لتذكروا قول ابن رازكَه:
أثيثة وحفها الحاكي اسودادا      و طولا ليل عاشقها السليم
أو قولة أبي نواس:
فغاب الصبح منها تحت ليل       و ظل الماء يقطر فوق ماء..
أرسلت السكرتيرة إلى السوق فاقتنت لي ملحفة من نوع ( مفتله) و ثيابا داخلية للنساء و بعض المساحيق و أحمر الشفاه...
سأضيف ذلك إلى فاتورة الاتصالات.. فأنا أعرف أن كل المفتشين ليسوا كمفتشي التعليم الثانوي الذين يمضون سنة دراسية و هم لم يمروا على المؤسسة..
المادة اليوم هي مادة العلوم الطبيعية باللغة الفرنسية.. الدراسة تخضع لمقاربة الكفايات.. هنالك وضعية و هنالك تعليمة.. سأقوم بمراجعة الموضوع كما ينبغي.. كريمة المدير الناشر لا تعرف استعمال الإيفون.. و أنا أعرف ذلك جيدا.. أعرف كيف أطرح سؤالا على الشيخ كَوكَل دون أن يفطن لي أحد.. ضف إلى ذلك أن المراقب الذي دخل القاعة قبلي كان منشغلا بهاتفه الجوال.. لم يكن في مكالمة و إنما كان يفتح الحاسبة ليعرف كيف يكون صرف تعويض الرقابة الذي انتظره بفارغ الصبر.. و هو لا ينسى أنه سيصرف 50% من هذا المبلغ للمراقب الأصلي الذي أعطاه مكانه في الرقابة..
كل شيء ممكن هنا.. عندما وصلت باب الدخول كان العطر النسائي يفوح من أرداني التي ضمختها به منذ الصباح.. سألوني عن الاستدعاء.. أنا فلانة بنت المدير الناشر, دخلت الساحة.. لم ألفت انتباه أحد..
قلت بنبرة نسائية أو خنثوية : " يا أستاذ لا تنس أن تساعدنا.." فقالت صديقاتي نعم.. ابتسم المراقب نصف ابتسامة حتى بدت أسنانه شكولاطية اللون.. قال إن ذلك غير ممكن.. أثرت موضوعا آخر و نحن ننتظر موضوع الامتحان... " هذه الامتحانات الوطنية لا تصحح.. فما الفائدة من الإجابة على الأسئلة إجابة صحيحة.."
أعجب المراقب بذلك و قال:" ما قلته صحيح يا بنتي.. أتذكر أن أعطيت مرة نتيجة تساوي 18 على إجابة مترشح في حين أعطاه مصحح آخر 06 على 20 .."
 مراحل الامتحان كلها مناسبة للغش.. تقديم الملفات.. امتحان الرياضة البدنية, الدخول إلى المركز, خوض الامتحان, التوهيم, التصحيح.. إعلان النتائج... لا بد أن أنجح في إحدى هذه المحاولات.. فقد نجحت في المحاولة الأصعب.. و لكنها ليست الأهم.. المرحلة الأهم هي إعلان النتائج... قالوا إن لمسة من زر كمبيوتر كانت قد جعلت بنت وزير سابق في طليعة الناجحين.. أما أنا فقد أجد طريقا آخر غير هذه اللمسة.. لقد ساعدني (المفتي كَوكَل) على الإجابة.. و لكن المصحح الذي سيمر على ورقتي (مر الكرام) قد يخالفه الرأي في هذه الإجابة... القضايا في التأويل.. لقد أولوا طريقة إقالة رئيس المحكمة العليا بأنها تتم بالطريقة التي تم بها تعيينه.. و أولوا القانون المنظم لمؤسسة زعيم المعارضة كما يحلو لهم.. و أولوا فقرات الدستور بما يتماشى و فكرة الرئيس مدى الحياة..
كيف أتسلل إلى صفحة البكالوريا و أضيف اسم بنت المدير في الناجحين الأوائل؟
هذه هي الإشكالية المطروحة بالنسبة لي.. كلمة السر.. الرقم الوهمي..
كل هذا من صنع بشر.. و هو بيد من يمكن أن يذبح أباه مقابل دريهمات معدودة.. لن أفوت الفرصة على كريمة المدير الناشر.. سأطلب منه أن يعرف كلمة السر و أن يقوم بقرصنة موقع الوزارة و يكتب فيه ما شاء لمن شاء..
عندما فتحت فرفوكس كان المراقب ينصت إلي بانتباه.. قلت له إن ذلك الصوت الذي سمعه ما هو سوى اضطرابات معوية تحدث للمراهقات مثلي إذا شربن القهوة على عجل..
و عندما رأى انتفاخ بطني الذي ألف فوقه جهاز الإيفون طلبت من الأخريات أن يفهمنه أنني فتاة حبلى.. و أن الحياء يمنعني أن أصرح له بذلك..
لقد انطلت الحيلة على المراقب و على رئيس المركز و .. حتى على المترشحين.. فأنا لست شفيق البدوي و إنما أنا البنت الصغرى للمدير الناشر.. و لم يبق إلا أن تنطلي الحيلة على جهاز الكمبيوتر في أروقة الوزارة..
                                                                                          شفيق البدوي..

ليست هناك تعليقات: