31 يوليو 2011

مرايا قاتمة

في العلاقات الموريتانية السنغالية
لم يكن الجعل الذي كور كبته للتو من أحسن رجيع البقر الراتع في سهول(شمامه), لم يكن يتصور أنه سيدخل في معركة حامية الوطيس مع عدو صائل كان له بالمرصاد.
فلماذا لا يكور هذا الصائل كبته هو الآخر؟ فالمادة الخام متوفرة بالقدر الكافي, والجعل يكتفي بواحدة من هذه الكبات على مدى سنة كاملة... فعندما يكور هذه الجرعة التي هي بحجم كرة التنس و يذهب بها إلى الحفرة التي يعدها بمنتهى المهارة والسرعة, يدخل الحفرة ويسدها سدا محكما بهذه الكرة.... ويتغذى على رائحتها لمدة سنة كاملة, حتى ينزل المطر وتخضر المراعي, وترعاها المواشي, وتأتي بفضلات جديدة, قوية الرائحة, فيطير الجعل بحثا عن تلك المادة.... محدثا أزيزا قويا ليفزع الجعلان الصغار التي تريد استهلاك بعض السوائل المرافقة لهذا الرجيع... فيهبط هبوطا اضطراريا وهو لا يعرف موقع الرجيع في البداية, فيقوم بدورة على نفسه, كما يقول الرياضيون, ثم يبدأ في تكوير الكرة......
هذه سيرة الجعل.... ليست من باب الجدلية التاريخية التي وضع أسسها الفيلسوف الألماني كارل ماركس وطورها الخنزير البري(عر) كما نسميه محليا, فالخنزير البري يقوي أخادعه لينبش نبات(تاره) وينبش نبات تاره ليقوي أخادعه..... هذه هي الجدلية التي تحدت ماركس و من قبله تحدت(فيورباخ) و من بعده تحدت رموز الديالكتيك الحديث.....
القضية عند الجعلان تختلف, فهم أصحاب فلسفة حسية و يربأون بأعرافهم الشائكة عن أكل الرجيع.... إنما يتغذون على رائحته فقط.....
لم يكن الجعل الذي يدفع هذه الكرة بأرجله الخلفية.. لماذا لا يدفعها بأرجله الأمامية؟!
صياد السمك هو الآخر لا يجلس في مقدمة القارب... و إنما في مؤخرته يجلس.. و المجداف.. المجداف الذي يوجه القارب يكون في المؤخرة دائما...
الوشائج بين الجعل و الصياد قد تكون أكثر من هذا, فالصياد يسير أحيانا على غير هدى و الجعل....
الوشائج بين النقل والجعل قد لا تنعدم هي الأخرى..... فالجعل يريد أن يجرد صاحبه من الحمولة التي يستفيد منها و الناقل....
غريب أمر الجعل, فهو دائما على استعداد للمواجهة..
عندها هبط الصائل هبوطا جعليا(نسبة إلى الجعل) قريبا منه وجد أشواك عرفه الشائك قد تمت تعبئتها... بدأ النزال... تركت الكبة لبعض الوقت خارج الحلبة.. النزال يشتد.. رفسا بالأرجل الأمامية و ضربا بالأعراف الشائكة.. والأصوات الغريبة تنبعث من المتصارعين...
من قواعد المصارعة الحديثة(الكاراتيه) أن تصحب كل ضربة بصوت... يسمونه في هذا الانضباط (كياي), نوع من محاكاة الصوت.... تلك نظرية أخرى هذه المرة في اللسانيات الحديثة.... للنمساوي دو سوسير ما يقوله فيها.....
المواجهة تستمر, لا بد من وجود غالب و مغلوب.. ولكن الغالب في الصراع الجسدي لا يعد منتصرا هنا.. فالجعل المنهزم في هذه المواجهة سيلجأ إلى الاختفاء في مكان ما من الكبة, و سيقوم الغالب وهو في نشوة الغلبة بدفع الكبة وما تحويه إلى ما يفترض أن يكون محل بياته الشتوي... وعندما يبدأ في الحفر يندفع الجعل الثاني بالكبة إلى وجهة أخرى!
لقد قيل قديما: " يدرك بالحيلة ما لا يدرك بالقوة"
ألغاز كثيرة تكتنف هذا الصراع.
منها أن المنتصر فيه مجهول.. فلا يعرف هل هو أحد المتصارعين الاثنين أم هو جعل آخر كان على قارعة الطريق ولصق بالكبة...
لغز آخر.. و هو أننا نجهل أسس هذا النزاع... فهل هو نزاع في ميدان النقل, نقل الكبة؟ أم هو نزاع في ميدان الاصطياد؟ اصطياد الرائحة ال.....
المهم أن الجعلين تنازعا, وكان من بينهما غالب بالقوة وغالب بالحيلة.....
شفيق البدوي.


ليست هناك تعليقات: