يحكى في هذه الربوع من إيكيدي, تلك البلاد التي تختص ببرودة مائها و برودة (عيشها) و برودة جوها و برودة طبيعة أهلها...., عن العلامة أبي مدين (الغوث) أنه خرج يوما في سفر و كان يمتطي جملا خاصا له, قد تقدم في السن.. و كان من هذه الجمال التي لا تختص بشيء عن الجمال الأخرى, هكذا ينبغي أن يكون جمل الرجل من بني ديمان... أو أحد من بني ديمان ( لا ينبغي أن نقول الديماني في هذا المقام..), فالجمل عندهم لا ينبغي أن يكون جميلا و لا قبيحا و لا طويلا و لا قصيرا, و لا أبيض ناصع البياض و لا أسود حالك السواد.. و لا سريعا جدا و لا بطيئا جدا... باختصار, لا ينبغي أن يكون له ما يميزه.. فالتميز
يشكل نشازا في هذا المجتمع.. ينبغي أن يكون كل شيء وسطا, و لا نقول متوسطا, أيضا, لأن تلك الكلمة قد تحمل دلالة تهجينية.. ينبغي أن لا يكون هذا الجمل مميزا بأي حال من الأحوال, كما لا ينبغي لرحله أن يكون براق اللون, و لا جديدا و لا كبيرا و لا صغيرا و لا أحمر و لا أصفر و لا يحمل أي سمات مميزة هو الآخر...
خرج الشيخ على متن ذلك الجمل, و في طريقه لقي رجلا آخر يزجي بعيرين حديثي السن, جميلين, طاويي البطن, طويلي الذيل, صغيري الرأس, مدببي الأذنين, صغيري الخفين, صغيري المشفرين, غائري العينين.. مذللين, صيتين, لهما رغاء.. فقال الرجل لأبي مدين و قد أعجب بتذليل جمله: " إذا كنت تبيع جملك هذا فإنني سأعطيك فيه هذين البعيرين.. ", فرد عليه الشيخ بكل هدوء و هو يظن أنه فهمه: " كلا يا أخي, فأنا لا أبيع الجمل, حتى ولو أعطيتني واحدا منهما فقط.."
ظن الرجل أن أبا مدين لم يسمعه فكرر عليه العرض عند ذلك كرر أبو مدين ذات الجواب, و حرك رجله قليلا ليستحث جمله على السير....
شفيق البدوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق