يكثر هذه الأيام الهمس بالثورة في موريتانيا بل حدث لغط في الأماكن العامة والمكاتب عن قرب ثورة الشعب على النظام ,وقد أومأ منتخبون ورؤساء أحزاب بذلك ويراهن آخرون على أن تحركات الطلاب وما تهدد به المعارضة الممانع للحوار من مسيرة بداية العصيان العام ,وحقيقة الأمر أنه
لا يهمنا الربيع العربي ولا يعنينا ولا نخاف هفواته ولا نطمع في ايجابياته ذلك أن فصول السنة عندنا ليس فيها الربيع فنحن إذن لسنا كالدول العربية التي فيها الربيع ولسنا أصلا عربا عند دول العرب لأننا تاريخيا لسنا من المغرب العربي الكبير, وإخوتنا العرب لا يعدون علينا في المواقف ولا في الآراء ولا يفرضنا عليهم الموقع ولا التركيبة السكانية .صحيح أننا بلد المليون شاعر وأننا أفصح العرب كلاما بلغة الضاد وأكثرهم تشبثا بالعروبة القديمة وتقاليدها وممارساتها وأننا نتغنى بأمجاد العرب أكثر من غيرنا من العرب الأقحاح. لكننا نعرف مع هذا كله أن أبا نواس شاعر عربي لا يبارى في الشعر ومثله محمد اقيال وان سيبويه واضع نحو لغة العرب...........وان التراث والحضارة العربية تحتضنها اسبانيا وتركيا ودول كان يضمها الاتحاد السوفيتي , والعربية لغة الإسلام والمسلمين وتعلمها واجب شرعا لأنه بمعرفتها يعرف الدين وتعلم الدين فرض عين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . لست هنا بصدد تحديد هويتنا لآن المراكز المعنية بالأمر مفتوحة ليل نهار ولكن فقط لأقارن أنفسنا بالعرب الذين ثاروا على حكامهم,فهؤلاء العرب منعوا حرية التعبير وحرية التفكير ولم تكن كلمة الديمقراطية معروفة في قواميسهم وأكثر من ذلك سلبوا حقوقهم السياسية والمدنية منذ استقلال بلدانهم وحتى يوم ثاروا . أما نحن فنكتب ونتكلم وننتخب كما يحلو لنا وننتقد حكامنا وتسير البلاد بنا لا نسير بالبلاد كما يفعل غيرنا ,صحيح أن ديمقراطيتنا ناقصة وان وحدتنا الهشة أصلا مهددة وان عدالتنا مشلولة وان حق الإنسان فينا شعار والاستغلال عندنا وصمة عار يمارس جهارا نهارا,وانه مع أن البلد حباه الله بثروات معدنية كبيرة ومساحات زراعية شاسعة وثروة حيوانية هائلة مع قلة من السكان فاقتصادنا متدهور ودخل الفرد فينا منهار إلى تحت الحضيض. وهذا إخوتي هو ما جعل العرب يثورون على حكام قادوهم زمنا طويلا وخلدوا معهم أمجادا يضيق المجال عن ذكرها .لكننا نختلف عن هؤلاء العرب فهم عرب ونحن بيظان وهم مواطنين أولا وهمومهم مرتبطة ببلدانهم ويغارون لمصلحتها وكل واحد منهم يعتبر نفسه جزءا من كل ومهما كانت اختلافاتهم المذهبية والدينية والعرقية والسياسية فإنه يجمعهم شيء واحد مقدس فوق كل الاعتبارات ألا وهو الوطن الذي لا يجدون عنه بديلا ولا يبيعونه بأي نفيس .ونحن -والحق مر المذاق قوله-منشغلون عن هذا الوطن بتمزيقه وإحياء النعرات العرقية والقبيلة والطائفية و... فالعبيد ما يزالون يضمدون جراحهم ويطلبون دماء البيظان مطهرا لتلك الجراح وينظرون إلى الأسياد القدماء كأعداء هم السبب في فساد هذا الوطن ويجب التخلص منهم وطردهم إلى مقدمهم الأصلي ليجدوا دولة لهم تسمى الصحراء ,يتفاخرون فيها بالأنساب ويصنعون فيها التاريخ كما يرونه ويمارسون فيها الفوضى وعدم الاستقرار إذ الجو هنالك أصبح مناسبا لآن الفاطميين اندثروا هذا إن لم يقبلوا طبعا بالانتقام .هذه نظرة الحراطين للبيظان .أما نظرتهم للزنوج (لكور) فهم أخوال وأصول لهم يعتزون بهم عند التعداد ويتبرؤون منهم عند اقتسام الحصص لكنهم مع ذلك تخلو اعن أبناء البنت وتآمروا مع الأسياد المجرمين ,والزنوج في غالبهم أجانب وافدون ومتمردون على المجتمع ولا يهمهم الوطن لأن انصهارهم في دول الجوار شيء بسيط كضرب عبد وإنما يريدون نصيبهم من الكعكة والقارة كلها وطن, وبالنسبة لهم فإن هذا الوطن الذي عاشوا فيه المآسي والويلات وقتلوا فيه وشردوا ولم ينالوا فيه ابسط الحقوق يجب الخلاص منه ولو بحرقه ولذلك يجب صب الزيت دائما فيه على نار هشاشة الوحدة الوطنية . فهؤلاء عند مجتمع البيظان يجب أن يوقف منه وقفة تأن وتريث وقد يجب الانقضاض عليهم وفي لحظة ما . أما البيظان أسياد الماضي وأباطرة الحاضر وصناع المستقبل فمنشغلون بتنمية ثروات ورثوها عن أجداد جمعوها من الاستغلال ,فلا حد عندهم لزيادة الثروة وكل طرق الكسب هنا تجوز فتدمير الدولة والتعاقد مع الأجانب مهما كانوا ومهما تكن طبيعة العقدة يجوز وشرط جوازه إدراره نسبة من ريعه قد لا تتجاوز العشر0.25, وحادثة وودسايد Woodsideخير شاهد, وكذلك إعطاء رخص الصيد لرجال أعمال جلبوا أجانب اصطادوا مبايض السمك من الأعماق, انقرض على إثرها السمك, والواقع يشهد, لكنهم مع ذلك حماة البلد وبناته ويحاربون الفساد والمفسدين بكل الأسلحة فسبحان الله ألقائل وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" صدق الله العظيم وهم في فعلهم هذا معذورون لأن هذا البلد محكوم عليه بالخراب والانهيار ويجب تطبيق مبدأ عليك بالساعة التي أنت فيها ,وعلى القادم أن يبحث عن مصدر لحياته. ورأي البيظان أن يبقى العبيد عبيدا ويكفيهم كما اختاروا لأنفسهم أن يتغير شكل استرقاقهم ليكون في الصورة التي لا تغضب الغرب - لأن من موجبات كثرة الأرزاق رضي الغرب-وليتعلم العبيد كما أرادوا وليتفننوا وليتثقفوا لكنهم سيبقون عبيدا في المساجد وفي المناسبات الاجتماعية وفي المظاهر العامة وليقبعوا في ذيل الهرم الطبقي,فالعبد عبد وإن تأمر. إخوتي هذا هو شعب موريتانيا العربية المتنافرة الشحنات لأنها سالبة كلها ,وهذه هي الوحدة الوطنية المهيأة للانفجار ,وهذا هو وطننا الذي يحاصره الإرهاب ومافيا المخدرات والفقر والجفاف وسوء السياسة المعارضة والحاكمة, وتلك هي أغلبية تحكم بنفسها وتلك معارضة ممانعة ترفض الحوار وتزيد شد الحبل كل يوم وتعزف على أوتار الغليان والاحتقان وتمتطي صهوات جياد دعاة التشرذم والتمزق غير آبهة بشيء فمعارضتها أعمتها عن تمييز الصالح من الفاسد والايجابي من السلبي ومصلحة المواطن الضعيف من غيرها ولو قدمت لها الحكومة نص المصحف للتصويت لصوتت ضده عنادا لا جحودا ولا كفرا هذا هو واقع بلد قلنا أصلا إن وحدته منسوجة بخيط عنكبوت ,يتشكل طيفه السياسي فمن قوميين عرب يريدون الانصهار في فكر عروبي يحمل شعارات المرحوم جمال عبد الناصر لا حقائق فعله, ومبادئ ميشل عفلق ولا مكان عندهم لغيرهم في الحياة إلى حماس واندفاع مناضلي فلام ومنتسبي لا تلمس جنسيتي الذين يحلمون بعالم طاهر من العنصر العربي ,ومرورا بمناضلي الحركة الإنعتاقية لتحرير العبيد المشحونة بالفكر العلماني والمغذاة بالواقع المشين الدرامي هذه الحركة المنبوذة من مجتمع البيظان ,مما ولد عندها ردة فعل انتقامية . وبين هذه التناقضات الاجتماعية الفكرية وتلك الخصومات السياسية وانعدام المبادئ وضباب الاديولوجية الفكرية لجل القادة السياسيين من معارضة مغمورة وموالاة مصفقة عمياء أسكتها التملق والطمع والأنانية ودب فيها الوهن بسبب سكوتها على الباطل فكانت صيدا سهل المنال عند أعدائها إلى الترحال السياسي المدفوع بالمصلحة الشخصية وغياب الضمير الوطني وضعف الوازع الدين امام السيل الجارف من الغزو الغربي ينعدم تحمل الهم العام فلا يوجد من يضحي من اجل الاخر ولا حتى مستعد لتحمل ذرة غبار في سبيل إنقاذ حياة الآخرين بل واقل من ذلك لا احد يقبل بحياة الأخر. وفي هذا الجو الملوث النتن يخرج إلينا من يتوهم أو يحلم أو يظن أننا عرب أو أننا نثور على نظامنا الذي يعرف كيف يلعب على واقعنا التعس .لكن هل يمكن أن نثور ؟ومن يثور؟ ومتى ولماذا يثور؟ولصالح من تكون الثورة؟
|
هناك تعليقان (2):
مقال زين يغير ملاه خاص اقلم
هذا المقال يحوي بعض الحقائق و لكن صاحبه لا يخلو من ميل إلى إحدى الجهات التي تحدث عنها و هذا أمر طبيعي في الإنسان....
إرسال تعليق