لم تعد مصافحة الرئيس عندنا تلك السنة البروتوكولية التي يصطف فيها المستقبلون في صفوف تتجه إلى البساط الأحمر الذي يمر عليه رئيس الجمهورية عندما ينزل من طائرته و يعزف له النشيد الوطني و يستعرض وحدة من الجيش تأتي لتأدية تحية الشرف.. فيصر الضابط الآمر للوحدة على ضبط بزته بطريقة دقيقة و رفع رأسه شامخا عند أداء التحية و تقديم نفسه بالرتبة و الاسم و الوظيفة.. و بوتيرة متسارعة في الكلام حتى لا يشغل كثيرا من وقت الرئيس... و بعد ذلك توجيه ضربة قوية إلى ظاهر الفخذ الأيمن و مد اليد بقوة إلى يد فخامته و القبض عليها جيدا ثم هزها هزا شديدا بقدر ما يكنه الضابط من احترام و تقدير لتلك اليد..
في هذه اللحظة بالذات ينخفض صوت الصحفي من مستوى 5 من 5 إلى أقل من 3 من 5 .... هل تعرفون السبب في انخفاض مستوى الصوت؟ السبب هو أن الصحفي الذي يحب السبق لا يعرف هل يقبض الضابط على يد الرئيس أم يقبض على الرئيس.. و يصبح رئيسا و يصدر البيان رقم واحد.. ليقول فيه إن قواتنا الوطنية الباسلة إرتأت أن تخرج البلاد من الفساد الذي استشرى فيها لفترة طويلة و أن الضباط الذين استولوا على الحكم سينظمون انتخابات حرة و نزيهة في أسرع وقت من أجل تسليم السلطة بشكل ديمقراطي و شفاف للمدنيين.. و عند ذلك يتقاعد الضابط و يرتدي الزي المدني.. و البقية معروفة..
فنحن قد سجلنا رقما قياسيا في البيانات رقم واحد التي لم تشفع قط بالبيان رقم اثنين.. و لا شك أننا نعرف ما يلي ذلك..
صارت تحية الرئيس فرصة للقائه و لطرح القضايا الشخصية عليه.... و لذلك فلو قدر لي أن أكون من أولئك الذين جاؤوا لمصافحة الرئيس لكنت توجهت عند الصباح الباكر إلى السوق و دخلت الحانوت رقم واحد( أيضا!) و طلبت من صاحبه أن يعطيني دراعة من ( بازانه هيهانه) المعروف دوليا ببازانه الصين ( قبل اتفاقية الصيد) و قميصا أبيض براقا من ( حنتوش).. و مررت عند السابعة و النصف على الحلاق رقم واحد( مرة أخرى!) و طلبت منه أن يحلق عني... الكذب و النفاق و المعارضة... و أن يعطر لي مكان اللحية بآخر صرخة من عطور الموالاة.. ثم لتوجهت إلى المطار و علقت ( البادج).... ( طائرا في عنقي).. و وقفت في الصف رقم.. ( صرت الآن أخجل من الرقم...).. ودخلت في دقيقة صمت ترحما على ثيابي الوسخة التي تركتها عند الحانوت على نية ألا أعود إليها..
و بدقيقة الصمت هذه سأوهم الواقفين معي بشيء من المسؤولية و الغموض و التعالي.. و قد أقول لهم إنني لو لم أحضر هنا لتحية الرئيس لغضب هو نفسه مني.. و عاتبني عند أول مكالمة بعدها بقوله: " لم أجدك عند زيارتي لروصو".. إذا, لا بد لي أن أكون في طليعة المستقبلين!
عند ما يمد الرئيس يده لمصافحة الشخص الذي يسبقني أزاحم ذلك الشخص, و أقبض على يد الرئيس و أقول له في أذنه و لكن بصوت مرتفع: " سيدي الرئيس, أنا فلان ابن فلان.. و لدي طلب وحيد سأوجهه إليك..
1 – أطلب منك ألا تسلم على المسقبلين بعد هذه الزيارة.. فأنت متعب.. و قد خرجت من القصر الرمادي قبل تناول وجبة الفطور.. و لا يليق بك كل هذا من المصافحة الممتدة على 1000 هكتار مزروعة بمشتلة من البذور ( المحسنة ) لزراعة المرددين لتلك الكلمة الربيعية إرحل..
2 – أقترح عليك أن تصدر أوامرك إلى الولاة و الحكام و قواد المناطق العسكرية و المديرين الجهويين للأمن الوطني و رؤساء المصالح و رؤساء ( المفاسد) و سكان البدو و طلاب الكتاتيب المعروفين بألمودات و العائدين من روصو سنغال أو من بغداده و امبكم و كرماجكه و كيدقار و اكويبينه و تونكن و كرك و الكلم 6 من روصو و غفره و تكشكمبه.... ألا يستقبلوك بعد هذه المرة..
3 – أن تقول للوالي و الحاكم و قائد كتيبة الدرك و مفوض الشرطة و المدير الجهوي لصونادير روصو و المندوب( أو المكروه) الجهوي للتنمية الريفية و با مادين المعروف اختصارا بالوكالة الوطنية لاستقبال و دمج اللاجئين و فاسا يريم المعروف اختصارا بعمدة مرسيليا و لاس بالماس و واكادوكو و كولخ... و ولد متالي المعروف بمحمذن فال ولد العالم, و نائب رئيس مجلس الشيوخ و سيدي ولد اتاه و بمبه ولد درمان و المختار ولد الطوف و أتفاغه ولد محمد العبد و محمد ولد طيفور و أحمد صو و أنا و إذاعة موريتانيا و تلفزيون المدير ولد بونه و وكالة لمانه ولد إكاهي المعروفة ب( ومص).... أنه يحظر عليهم استقبالك بعد اليوم..
أهز يد الرئيس مرة أخرى لأنني أحسست أنه تعب مني و أقول له:
4 – ألا تأتي هنا و معك بعض الضيوف لأنه سيتبين لهم أن هنالك من يقول ( إررررررررحل) أو يقول ( عاااااااااااززززززييييزززز), و هذا في حد ذاته في منتهى التناقض..
5 – ألا تنزل بعد اليوم في المعهد التكنولوجي.... فعدوى المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية قد استشرت فيهم.... أو تحول هذا المعهد إلى انبيكت لحواش حتى نستريح من ضجيج طلابه..
6 – أن تقضي على مكاتب الصرف على الضفة اليمنى للنهر أو تحولها إلى مكاتب لبيع الرصيد و توزع عليهم (ميكافونات) من طراز أحمد محمد صو....
7 – أن تحظر على البروتوكول أخذ الرسائل التي يوجهها بعض المواطنين و الحاملة لبعض التظلمات.... فليس لديك الوقت لقراءتها.. لأنك تجد صعوبة كبيرة في قراءة الخطاب المطبوع على الكمبيوتر.... فكيف تقرأ كتابة هؤلاء؟!
8 – أن تحرم منح بطاقات الدعوة للصحافة الرسمية حتى لا يضايقك ( البشمركه) بطلب هذه البطاقات من الوالي و من البروتوكول..
9 – أن تعرف أن سيارتي قد أوقدت إشارة المازوت الحمراء منذ يوم أمس.....
و أترك لك العاشرة.......
شفيق البدوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق