بدأت المعارضة المحاورة مع الأغلبية نهاية سبتمبر الماضي منذ أيام حملة لشرح نتائج الحوار الذي صرح الجانبان بإيجابيته. و هنا تجد هذه المعارضة نفسها أمام عدة تحديات, حيث ينبغي لها هنا اللعب على حبلين شائكين: فمن جهة تجسيد مصداقيتها في تمثيلها للمعارضة, وهي مهمة لا تخلو من صعوبة, خاصة في المدن الكبرى مثل نواكشوط و نواذيبو و روصو... فمن المعروف أن هذه المدن الثلاث لم تعد قرى أو حواضر بالمفهوم التقليدي, تمثلها قيادة تقليدية معينة, فيكون التحكم في هذه المدن تابعا للتحكم في تلك القيادة, الشيء الذي انعدم تقريبا في هذه المدن العصرية و ذات الكثافة السكانية المعتبرة, فتكون السيطرة عليها تقتضي تكتيكا سياسيا معينا, يراعي مختلف الأهواء و الحساسيات و المشارب السياسية و الاجتماعية... فأي ظهور لهذه الأحزاب بمستوى أدنى من مستوى أحزاب المعارضة الراديكالية يبين زيف ما ذهبت إليه في البداية من هذا التمثيل, و هذه المصداقية..
و لعل بعض أصحاب هذا التوجه قد أحسوا بذلك منذ البداية فصارت حملتهم تقوم على مشغل التهجم على أصدقاء الأمس و أعداء اليوم و الدفاع عن أعداء الأمس و أصدقاء اليوم, و هو ما قد يمثل نوعا من الانهزامية أو الشعور بها, خاصة لدى بعض التشكيلات التي شهدت انقسامات داخلية, مثل حزب التحالف...
هذه الوضعية تزامنت مع انقسامات داخلية في إطار قيادات حزب الأغلبية الأكبر, الاتحاد من أجل الجمهورية الذي بدأ منذ أيام فقط في محاولة رأب الصدع في صفوفه المختلفة, فهل ينجح في ذلك؟
تنضاف إلى وضعية هذا الحزب التي لا يحسد عليها وضعية أخرى لن تكون في صالحه, بل قد تشكل قلقا لكل أحزاب الأغلبية و أحزاب المعارضة المحاورة, و هي الانتصار الكبير الذي حققته الأحزاب ذات المد الأصولي في بعض الدول العربية مثل تونس و مصر و المملكة المغربية, و ربما الجزائر في وقت قريب...
ذلكم هو التحدي الأول لهذه الأحزاب, أما التحدي الثاني فيتجسد في الفشل الذي شهدته حملة شرح نتائج الحوار المماثلة للتي تقوم بها أحزاب المعارضة المحاورة, كان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قد قام بها في الأيام القليلة الماضية و وصفت بالفاشلة. فاشلة لعدة أسباب: منها أن هذه الحملة قد بينت للرأي العام الوطني قوة الخلافات داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية, مما جعله يراجع نفسه, و يصدر رئيسه دعوة إلى تجاوز الخلافات التي صارت واضحة للعيان..( راجع الخبر الذي نشرته وكالة أنباء الأخبار المستقلة مساء الخميس28 دجمبر).
فهذا التحدي يجعل أحزاب المعارضة المحاورة في موقف المصالحة بين جوانب متعددة.. مصالحة بين أطراف الخلاف داخل الحزب الذي يوصف أحيانا بالحاكم, و مصالحة بين الحزب و القواعد الشعبية التي تقف متفرجة على هذه الصراعات دون أن تنحاز إلى أي طرف منها.. و مصالحة بينها مع قواعدها التي تشبثت بها بالأمس و هي أحزاب معارضة و تراها اليوم تهرول نحو النظام الذي كانت بالأمس القريب تتفانى في معارضته...
أن البنية المورفولوجية لهذه الأحزاب تقتضي منها مهادنة بعض المنظمات الحقوقية التي تلوح بالدفاع عن بعض القضايا المسيسة بحياة بعض القواعد الشعبية في بعض هذه الأحزاب مثل حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي و حزب التحالف.. و الملاحظ عدم مهاجمتها لرموز هذين الحزبين في أهم نشراتها الألكترونية, راجع بهذا الخصوص مدونة: إنقاذ لحراطين التي تحتوي أهم رسائل منظمة(إيرا) التي يرأسها الناشط الحقوقي برام ولد اداه ولد إعبيد...
فعدم مهادنة هذه المنظمة من قبل أحزاب المعارضة الراديكالية يجعلها تقف على بركان خامد قد يثور في أي وقت..
كما أن غياب العناصر الزنجية في قواعد هاتين التشكيلتين يجعلهما لا تعولان كثيرا على المناطق الجنوبية خاصة في ولايات ترارزه ولبراكنه و كوركول و كيدي ماغا... و بعض المدن الصناعية مثل نواذيبو و ازويرات من مدن الشمال..
تحد آخر, قد يكون ثالثة الأثافي, و هو غياب الجانب الاجتماعي في خطاب هذه الأحزاب, و تركيزها على الجانب السياسي الذي أصبح عاملا منفرا لدى الناخبين.. خاصة في سنة كهذه التي تمر بها البلاد من انعدام المراعي و غياب المحاصيل الزراعية في جيوب الفقر ..( راجع مقال نائب رئيس قسم تكتل القوى الديمقراطية بترارزه في مدونة تكرمن, الأسبوع الماضي).
فما المطلوب من أحزاب المعارضة المحاورة في هذه الفترة؟
ينبغي لهذه الأحزاب أن تدرك أنه أمام تحديات جلى, و ألا تفرط في التفاؤل, خاصة منها حزب الوئام الذي يحوي بعض رموز الأنظمة السابقة, و إن كان رئيسها قد دافع عن تلك الوضعية عدة مرات, كما هو الحال في مهرجان الغرفه(الكلم42 ) على طريق روصو نواكشوط, في أيام الحوار الأولى, فإن الرأي العام الوطني ينظر إليه كذلك, بيد أنه قد يعتبر أحيانا عامل قوة فيه لا عامل ضعف.. كما أن الانقسام الذي يشهده الآن حزب التحالف قد لا يكون عامل ضعف فيه, كما فهم ذلك رئيسه في عدة مناسبات. فالتيارات السياسية المتصارعة, علنا, داخل الحزب لا تعصف به بقدر ما تعصف به الحساسيات غير المعلنة و ذات المغزى النفعي على المدى القصير.. فانقسام اتحاد القوى الديمقراطية بين جماعة ولد بدر الدين و جماعة أحمد ولد داداه سنة 1998 لم يضعف هذا الحزب و إنما زاد من قوة الحزبين في تلك الفترة.. فمن المعلوم أن النظرية السياسية لا تنمو إلا بالتناقضات, وهذه عامل قوة فيها لا عامل ضعف..
كما ينبغي لهذه الأحزاب أن تعمل على سياسة الاحتواء, لا سياسة الإقصاء, التي ما زالت تعصف حتى الآن ببعض التشكيلات السياسية في البلاد.. كما الحال في حزب التكتل, فمن المعلوم أنه عندما اعتمد, ظرفيا, على سياسة الاحتواء في عهد الرئيس إعلي ولد محمد فال, نال يومها من المناصب الانتخابية ما لم ينله قط...
نشير أخيرا إلى أن كل هذه الفرضيات تبقى في مستوى معين من السطحية و عدم النجاعة ما لم ندرك أننا أمام شعب أمي بنسبة تزيد على 80 في المائة, و شعب انتفاعي بنسبة 98 في المائة و فقير بنسبة 99 في المائة و نظام مرتبك بنسبة 60 في المائة و أحزاب ذوو سياسة موسمية بنسبة 99 في المائة.....
س م متالي.
هناك تعليق واحد:
مقال ممتاز و تحليل جاد لوضعية الاحزاب في البلد. شكرا لك.
إرسال تعليق