في يوم 7 مايو، غادر الوالي مدينة سان الويس مرفوقا بفيلق مكون من 412 رجلا من المشاة بقيادة السيد كيله (بعد موته أصبحوا تحت قيادة النقيب رومين)، وكان رفقة هؤلاء 90 رجلا من المدفعية، بقيادة النقيب دوهاميل، و14 رجلا من الهندسة العسكرية، و65 خيالا بقيادة لافون، و110 من سرية المؤن بقيادة النقيب فريكات ديروك، و 50 زنجيا عقدويا في مختلف الأسلاك، و1230 متطوعا من الوالو مع زعاماتهم. كانت لدينا 285 حصانا وبغلا و5 سيارات و3 راميات قذائف. كانت هذه هي المرة الأولى التي نستخدم فيها السيارات لحمل بعض أمتعتنا ومؤننا. وكانت تجربة ناجحة إلى حد ما. وبما أن السينغال ليس أرضا جبلية، جربنا أيضا أن استخدام العربات الجرارة المدفوعة بعجلتين كان عمليا جدا وناجحا كوسيلة نقل أثناء الحرب.
في نفس اليوم (7 مايو) انطلق القاربان (المدعوان بازيليك وبودور) من سان الويس باتجاه دكانه. وفي يوم 9 مايو وصل الجميع إلى دكانه، وفي نفس اليوم أيضا اجتازت الفيالق إلى الضفة اليمنى من النهر. لم نكن في عجلة من أمرنا. بما أننا نريد هذه المرة لقاءا جادا مع الترارزه كان علينا أن نعطيهم الوقت لكي يتمكنوا من تجميع قواهم. في يوم 11، عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بدأنا المسير متوغلين شمالا.. وصلنا منطقة غير مستوية تعطلت فيها إحدى سياراتنا.. أخرجنا ما فيها من مؤن ووزعنا رقائق البسكويت على مجندي الحامية الخلفية بما يمثل حصتهم من التموين على مدى 8 أيام.. كانت بحيرة سكام على بعد ألف متر عن يميننا. عند المقيل نزلنا قرب غدير تريله حيث تكثر الثعابين والحشرات الضارة. في المساء أعدنا إلى دكانه 12 من رجالنا الذين سقطوا مرضى مع خيول لم تعد تتحمل المسير. في نفس اليوم اجتزنا منطقة صعبة كادت السيارتان تتعطلان فيها لولا أن دفعهما العمال. لقد قطعنا 5 مراحل متجهين شمال الغدير. تقدم أمامنا رقيب الخيالة المحليين، المدعو علي، مع 10 خيالة زنوج و20 عاملا و1000 متطوع في محاولة منهم لمفاجأة حي سيدي (ابن ملك الترارزه) الذي قيل بأنه غير بعيد منا.
في يوم 13 غادرنا عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل ونزلنا للاستراحة عند الساعة الثامنة صباحا. أخبرنا خيال من خيالة علي أن العدو على مرحلة ونصف منا وأنهم متحصنون في غابة شائكة على مشارف بحيرة. أرسلنا تعزيزات من 60 عنصرا مع أمر بأن يفرضوهم على البقاء في مواقعهم دون مهاجمتهم في انتظار مقدمنا. في منتصف النهار غادرنا تحت لفح شمس حارقة. عند الساعة الثانية وصلنا الغابة ووجدنا الزنوج يحيطون بالعدو من كل الجهات تقريبا وقد وقعت بينهم مناوشات بعد أن هاجمهم البيظان الذين يحتلون المكان الأنسب. خلال هذه المواجهة الأولية أعطى الرقيب أول علي المثال عندما صرع بيده أحد قادة البيظان. أمر الوالي بالتوقف وإنزال الأمتعة والمؤن، ثم قام باتخاذ القرارات التالية:
العمال اليدويون بقيادة النقيب فريكات ديروك، 3 سرايا من المشاة بقيادة الضابط بنيش، أحد راميات القذائف بتشغيل فيري، يقومون بحركة نحو اليسار ليوقفوا فرار العدو المحتمل في تلك الناحية. راميان للقذائف وضعا على بعد 150 متر من الغابة وأطلقا 10 قذائف. 5 سرايا من المشاة بقيادة النقيب رومين تسللوا داخل الغابة بمدافعهم ومُدِيّهم. سارع العدو للخروج من الجهة المعاكسة تاركين وراءهم من 25 إلى 30 قتيلا.. طاردهم رجالنا لمدة ساعة دون جدوى. وبقينا نحن أسياد المكان وتحت قبضتنا 42 سجينا و100 دابة (جمال، ثيران، حمير). خلال هذا اليوم، حيث تهب رياح الصحراء، بقيت الحرارة مرتفعة إلى 57 درجة حتى الساعة السادسة بعد الزوال. لم نعان أبدا من شدة الحر مثل ما عانيناه ذلك اليوم. لقد أصيب النقيب كيلي بضربة شمسية قوية.
من بين القتلى يوجد صهر ملك الترارزه (أخو زوجته) وأمير من الأسرة الحاكمة وثلاثة أمراء من أولاد دمان. أما الجرحى فلا نعرف عددهم. ولحسن حظنا أننا لم نخسر غير حصان جريح وأحد المتطوعين المصاب في صدره بطلق ناري. ويقدر المتطوعون عدد المحاربين الذين جمعهم سيدي في هذا الميدان بـ 2000 شخص.
بقينا في ذات الميدان ليلة ونهارا نترقب منازلة أكثر جدية مع العدو. وعندما علمنا أن البيظان تفرقوا في كل صوب، انتقلنا يوم 15 إلى مشارف تندمرمار. في يوم 16 وصلنا بحيرة غيدايو. وفي يوم 17 وصلنا ضفاف النهر. حيث عدنا إلى سان الويس.
خلال حملتنا التي خلقت ذعرا قويا على الضفة اليمنى، تجرأ 15 رجلا من أولاد الفاغي (إحدى أمقت قبائل البيظان) فدخلوا بودور متخفين على شكل زوايا ظنا منهم بأننا لن نكتشف أمرهم. وعندما أخبر قائد المركز بهم أرسل عناصر فاعتقلتهم. وبما أنهم جزء من العصابة التي دوخت البلاد نهبا وقتلا، اتخذ القائد قرارا بإعدامهم مباشرة ورميا بالرصاص. في اليوم الموالي لعودتنا إلى سان الويس، قام التروزيون، الذين لم يستطيعوا مواجهتنا في العملية السابقة، بتسلل جريء على الضفة اليسرى. ففي حين كان سيدي يقود الجيش الذي هزمناه، أرسل والده محمد لحبيب جزءا من الموالين له وبعض أمراء أسرته مع 400 مسلح إلى الضفة الأخرى. وعندما وصلوا بحيرة كروم وجدوا 15 صيادا كانوا – بحكم البلادة- قد تركوا أسلحتهم بعيدا منهم, فأخذوا أسلحتهم وقتلوا بها غالبيتهم. علمنا بالأمر في يوم 19، وقبل أن نتأكد منه، كانت عصابة الترارزه قد نهبت تماما قرية كاندوم الموالية لنا. وقتلوا من أهل القرية 10 رجال واختطفوا منهم 80 امرأة وطفلا و450 بقرة قبل أن يحرقوا الحي بأكمله. غادر الوالي و50 خيالا إلى القرية فوجدوا الغزاة قد خرجوها، فسارعوا على آثارهم حتى قرية جالاخار حيث استراحوا بعض الوقت لتجميع معلومات عن العصابة. وبما أن المنطقة وعرة وأن الماء الشروب قليل، وبما أن البيظان ابتعدوا كثيرا، كان على الوالي أن يعود إلى سان الويس. في يوم 25 حاولت نفس الجماعة هدم جسر اندير لولا أنها جوبهت بكفاح مستميت راح ضحيته يوكو فالي أحد أكبر أعدائنا من أهل والو الموالين لبيظان الترارزه وخسرنا نحن أحد المجندين. في هذه الأثناء كان اعلي (ابن ملك التترارزه) الذي يقود بعض المسلحين، يحاول الولوج عن طريق فوتا، غير أن فارا بندا، معززا بمسلحين من رجاله، صده عن مقصده وقتل أحد أحصنته.
في صباح 27 وصل الوالي إلى ريتشالد تولد مع حامية صغيرة. في يوم 28 وصلتنا معلومات استخباراتية تفيد أن اعلي ورجاله مروا بجانب باكيل وأنهم الآن في فاناي مع كل غنائمهم. في يوم 28 وصلنا فاناي لمتابعة البيظان، وهناك علمنا أنهم غادروا إلى ديالماتش وأن عددهم يقارب الـ 3000 شخص. في يوم 30 غادرنا إلى ديالماتش. ولما علم اعلي ورجاله بأمرنا غادروا مسرعين إلى نواحي بودور. وبما أن متابعتهم لم تعد مجدية، قررنا التخلي عنها. لكننا علمنا في المساء عبر بريد من ريتشالد تولد أن عصابة من الترارزه اجتازت تاوي. حينها كان متطوعو غاوي وبوكول ودكانه والوالو يستعدون للعودة برا من دلماتش إلى فاناي، فقــُـدم لهم الأمر بالذهاب لمؤازرة أصدقائنا ومحاولة لقاء العدو. بينما لم تكن هذه العصابة غير بقايا عصابة اعلي الذي توجه مع ثلاثة من أبناء عمومته وأهل الكبله إلى فوتا، إلا أن بعض أمراء البيظان رفضوا المسير معه ولم يتجازوا معه تاوي، لكن هؤلاء - بدلا من التوقف عند هضبة ادجلي، حيث كنا نبحث عنهم- ذهبوا مباشرة، مع نصيبهم من الغنائم، إلى بحيرة خسخ كي يجدوا الكلأ الضروري لحيواناتهم المتعبة ومن أجل محاولة اجتياز النهر إيابا. وكان صمبه انغوما، أحد قواد المتطوعين، قد كمن لهم مع 4 من أصحابه، فغنم منهم فرسا وقتل آخر. في يوم 27 ذهب هؤلاء البيظان إلى ببار اندخ ليجتازوا النهر فرآهم حمزه وأهله من أولاد بو اعلي وأطلقوا عليهم النار من بعيد، فصعدوا إلى مدخل البحيرة، فكانوا في مرمى قارب لنا أطلق عليهم النار، ويقال انه قتل منهم 5 رجال. وفي يوم 28، عندما يئسوا من اجتياز النهر، غادروا إلى بات ليواصلوا مع نفس الطريق الذي سلكته العصابة الأخرى. ولأنهم كانوا على دراية بموقعهم السيئ، أمضوا يومي 29 و30 قرب خرمباي دون أن يتجرأوا على الاقتراب من النهر للتزود بالماء. في يوم 31 صباحا، وبعد أن أعياهم العطش، وصلوا إلى فاناي في نفس الوقت تقريبا الذي وصل فيه مجندونا وخيالتنا، فهربوا من أمامهم، لكن النقيب بلهو طاردهم. وبعد 3 مراحل من العدو على ظهور الخيل لحق بهم عند لانغوبي فأفناهم، وأخد منهم خيلهم وخيالتهم وغنائمهم ومواشيهم. ومن بين قتلاهم، البالغين 30، يوجد بعض أبناء إخوة ملك الترارزه، كما تم أسر 3 أشخاص مهمين من الترارزه. وبعد أيام تم إعدامهم رميا بالرصاص وعلقت جثثهم في كاندون. ومن جانبنا لم نخسر إلا خيالا واحدا قتل وآخر جرح.
بالنسبة للعصابة التروزية الأخرى، التي انهزمت بفعل الخوف، رغم أنها لم تعلم بعد بأمر الأخرى، فقد اجتازت النهر قرب مافو على بعد 100 مرحلة من غاندون. كل ما حصل هذه الآونة جعل الترارزه يشمئزون من سباقهم المحموم نحو الضفة اليسرى.
لقد علـّمتنا قضية كاندون أن التروزيين ليسوا جبناء كما يراد تصويرهم، وأنهم يـُـظهرون، عكسا لذلك وفي بعض الأحيان، الكثير من الشجاعة والحيوية. ففي لانغوبي لم يحجم أي منهم أمام الموت. بل أن أحدهم أظهر نوعا من الجسارة والاندفاع يستحق الذكر. لقد قلنا الكثير من الأمور السيئة عن الترارزه، وإنه ليس من العدالة أن لا نتحدث عنهم بخير إن سنحت الفرصة. هذه القصة التي تستحق الذكر هي أننا كنا داخل معمعان قتال شرس مع التروزيين عند لانغوبي، وكان هناك ثلاثة إخوة من أقرباء ملك الترارزه (هم المختار ومحمد وابراهيم) ومعهم ابن للمختار، وهو طفل صغير. اعتلى ابراهيم صهوة فرس لملك الترارزه اسمها "لبّـيظــَـه": مشهورة في الآفاق بالسرعة الفائقة. وأركبَ الطفلَ (ابن المختار) على ردفها، وطلب من المختار أن يركب معهم ليكونوا ثلاثة على ظهر الفرس عساهم ينقذون أنفسهم. فأجابه المختار بقوله: "هذا يعني أننا سنموت نحن الثلاثة. فالأجدر هو أن تنقذ أنت الطفل، أما أنا ومحمد فسوف نموت هنا بغية أن نحمي عملية هروبكما". كان خيالتنا قريبين من هؤلاء الرجال فاشتبكوا بهم محاولين منع الخطة التي نوقشت بشكل مسموع، فقتلوا الرجلين (المختار ومحمد) لكنهما تمكنا بالفعل، قبل قتلهما، من حماية فرار أخيهما والطفل.
في يوم 1 يونيو حاول 20 من بيظان الترارزه (10 راكبون و10 راجلون) أن يجتازوا بحيرة اتيلخ قرب سان الويس، فالتقوا ببعض رجالنا الكامنين قربهم فأطلقوا عليهم النار مما أدى إلى قتل 2 منهم وجرح ثالث تم أسره وحمله إلى سان الويس.
في يوم 5 يوليو علم حاكم ريتشالد تولد أن عصابة من البيظان اختطفت قطيعا من الماشية التي يملكها مركزنا وأن العصابة تتجه إلى امبكم كي تتجاوز النهر بغنيمتها إلى الضفة اليمنى. فأتبعهم مباشرة بمجموعة من المتطوعين بقيادة فارا بندا و10 من المجندين السود. غير أن رجال انداو، بقيادة شارل دبرا، وبمساعدة رجال امبكم، بعد أن خرجوا من حالة خمولهم المعتاد، كانوا قد استعادوا القطيع وطردوا النهَـبة.
فارا بندا، شارل دبرا، المتطوعون والمجندون السود (ما يبلغ 34 مسلحا) واصلوا السير على أثر اللصوص فلحقوا بهم حوالي الخامسة والنصف بعد الزوال على طريق اندير فاشتبكوا معهم في معركة قوية أمضت ساعتين وكانت ستكون أطول لولا أن حلول الليل أعطى الفرصة للبيظان كي يهربوا حاملين معهم جرحاهم وتاركين قتلاهم على الميدان. وكان العدو، الذي يتكون أساسا من قبيلتي تغرجنت وأولاد آكشار والبالغ 100 رجل، قد خسر الكثيرين لأننا عثرنا، بعد غد، على 10 جثث منهم، أما الجرحى فكثيرون وهو ما برهنت عليه آثار الدم المتطاير على الحشائش. أما رجالنا فلم يخسروا أي شخص وإنما أصيب بعضهم بجروح طفيفة.
بخصوص ملك الترارزه، محمد لحبيب، فقد حاول أن ينتهز فرصة غياب الوالي ليؤكد وجوده. ففي مساء 11 يوليو قدم مع حوالي 1000 مسلح وأناخوا على بعد مرحلة من قرية انجاكو قرب سان الويس. توقف الملك ورجاله هناك وأرسل إلى جزيرة اتيونك 40 فارسا و100 مسلح راجل فأحاطوا بخيام تندغه الموالين اللاجئين عندنا. وبعد حصار خاطف انتزعوا من هؤلاء الطلبه المساكين ثيابهم (لم يجدوا ما ينتزعونه غيرها لأنهم لا يملكون إلا هي). ثم توجهوا إلى قطيع من 50 بقرة للزنوج الموالين لنا في كيت اندر فاستولوا عليه، بعدها عادوا إلى ملك الترارزه الذي أمر بالانسحاب فورا فقطع 15 مرحلة شمالا مما حال دون متابعته.
في نفس الأثناء قام 50 من متطوعي الوالو، بقيادة صمبه جين، باختطاف قطيع من 100 ناقة للترارزه. كان لذلك وقع شديد عليهم، فهو بمثابة خسارة لا تعوض.
ملاحظة:جميع المعلومات الواردة في هذه الزاوية منقولة مباشرة من المصادر الاستعمارية فهي كتابة للتاريخ من زاوية واحدة ومن وجهة نظر الغالب لذا وجب التنبيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق