مما لا ريب فيه أن مقال "الدين والتدين ولمعلمين" مقال خبيث! يسيء إلى الإسلام والمسلمين، ويتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالمحسوبية والظلم والجور والبغي والعنصرية، وهو الذي أرسله الحق بالحق للناس كافة بشيرا ونذيرا، وعصمه من الباطل، وجعله على خلق عظيم. وفوق هذا وذاك فلهذا المقال أهداف سياسية عميقة يجب الانتباه إليها والعمل على إحباطها.
ومهما يكن أمر محمد الشيخ ولد لمخيطير الذي قدمه إلينا "الإعلام" بصفته كاتب ذلك المقال سيئ الذكر، دون وجود بينة قاطعة على ذلك، فمن واجبنا أن نعامله بحذر وإنصاف؛ واضعين في الحسبان ما يلي:
* قول الله - عز وجل- في سورة الحجرات: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
* كون اعترافه بما نسب إليه - إن صح- لا يكفي حجة عليه، لأن الاعتراف الصريح قابل لإثبات العكس، وخاضع للسلطة التقديرية للقاضي، وقد تكون له دوافع أخرى يجب كشفها وتمحيصها.
* كون السؤال التقليدي الذي يطرحه الباحث بادئ ذي بدء كلما ارتكبت جريمة وهو "مَن المستفيد من هذه الجريمة؟" يبرئ ولد لمخيطير ويشير بأصابع الاتهام إلى آخرين.
* كون المقال ليس ثمرة عقل طائش، ولا مجهودا فرديا، وغير صادر من مسلم؛ بل هو عمل جماعي قامت به جهة محترفة تحرف التاريخ وتوظفه لصالح مشروعها الهادف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي العربي والإسلامي عامة والموريتاني خاصة، وينبغي أن لا نطارد الرمية ونترك الرامي. وليس توظيف وحشي الحبشي وبني قريظة اليهود في المقال عملا بريئا بقدر ما هو إيحاء مقصود بحبشية الحراطين ويهودية لمعلمين، وربط صلة وهمية بين الفريقين "المضطهدين" تنزغهما إلى "الانعتاق" والخروج من "الدين الظالم" الذي لن يقبلوا الخروج منه لصلاحهم ورسوخ إيمانهم التليد.
ومن هنا يتضح لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن التسرع والارتباك الذي وقعت فيه بعض الأوساط المدنية التي بادرت بركوب موجة التنديد المغرض بولد لمخيطير، علّ وعسى، دون أن تتبيّن وتُعمِل الفكر والعقل وتتدبر الأمور وتعرف ما وراء الأكمة، ليس موقفا علميا أو عمليا بقدر ما هو هروب إلى الأمام، وخوف من تحمل المسؤولية العلمية، وخضوع وتبعية لعفوية الشارع، يتظاهر أصحابه بأنهم رموا، وما رموا!
أما موقف الدهماء الداعي إلى سحل ولد لمخيطير وإعدامه، كما فعلوا بأخ له من قبل، وقد ذهب الزيغ ببعضهم إلى التحريض على القتل ودفع مكافأة على ذلك كما يفعل غلاة التكفير والإجرام، افتئاتا وتجاوزا للدولة والدستور والشريعة والقانون، فهو أبعد ما يكون عن الحق، ولا يخدم سوى الفوضى وهدم ركن دولة القانون التي نطمح إليها. الشيء الذي تنشده وتتمناه قوى الظلام والغدر التي ترفع عقيرتها في مثل هذه المناسبات. وليس رفع شعارات القاعدة في مدينة نواذيبو وتخريب بعض المنشآت فيها ونهب بعض الممتلكات، وتوزيع المنشورات الممجدة لإسرائيل في نواكشوط، سوى غيض من ذلك الفيض؛ الأمر الذي ترك ظلالا بادية للعيان جعلت أسرة ولد لمخيطير المسكينة تتبرأ مرهوبة من فلذة كبدها، ودفع بعض مؤسسات الدولة - إن صحت الأخبار- إلى قطع رزق مواطن واعتقاله من وراء ظهر العدالة دون أن يصدر لها أمر بذلك من القضاء مبني على اتهام مؤسس بارتكاب فعل يجرمه ويعاقبه القانون.
وفي مثل هذا الوضع الذي يتكرر يوما بعد يوم، يجدر بنا أن نتساءل بحق ما هو الأولى والأنجع؟ أهو ركوب موجة التحريض المغرض وإطلاق الشعارات الجوفاء ضد زيد أو عمرو من الناس، والتغاضي عن الأسباب الحقيقية للفتنة، أم مواجهة تلك الأسباب وكشفها وعلاجها؟
وإذا كان بعض الناس يرى بوضوح أن التهميش والحرمان والهدر هي الأسباب الأساسية للزيغ، فإننا - ودون أن ننكر استفحال بعض تلك الأعراض- لنرى لما نحن فيه أسبابا أخرى أكثر جدية وعمقا يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي: فساد المجتمع. أي تراكمات ثلاثين سنة - أو تزيد- من الهدر والغدر والنهب والفساد والإهمال، ترك خلالها المجتمع سدى لا ناهي فيه ولا منتهي، وفتحت عليه أبواب جهنم العولمة الرأسمالية الغربية المتوحشة، والصهيونية الحاقدة المعششة، وما ينفث من سموم الظلامية المتلفعة بالجهل والجشع.
ومن مظاهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1. ضعف الدولة وترددها في الإصلاح، واستقالتها - حتى الآن- من لعب دورها الحاسم في مجالات التربية والتعليم والتوجيه والحماية، رغم ما تبذله بعض دوائرها من جهود.
2. هشاشة وجشع "المجتمع المدني" بأحزابه (المساندة والمعارضة) ومنظماته المدنية والدينية. ذلك المجتمع الذي يفترض فيه - لو لم يبن جله على باطل وارتزاق- أن يكون أساس دولة المواطنة والقانون.
3. هدر الديمقراطية والحرية، واستعمالهما في غير صالح المجتمع، وكأنهما خلقتا لتدميره. وهذا الانحراف الصارخ هو ما تتغاضى عنه الدولة وكأنه لا يعنيها في شيء. أما المؤسسات الأخرى كالسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، ولجنة احترام أخلاقيات المهنة، وتنظيمات ومؤسسات الصحافة، فلها اهتمامات أخرى! وفي مثل هذا الجو الكرنفالي يزدهر التحريض على الكراهية والحقد والتباغض والتفتت، وتروج الأكاذيب ويدلي كل بدلوه دون وازع ولا رقيب، فينبت المتطرفون والزنادقة والمتفاقهون والانتحاريون.
4. أضف إلى ذلك الإفلات من العقاب، ونكران وغياب العدالة المزمن.
هنا مربط الفرس، وبيت القصيد، ومدار كل إصلاح أو عمل!
وفي وضع تسود فيه الفاقة، وينشغل أهل العلم بالتحصيل، فما ذا نتوقع من نشء سدت في وجوه بعضه أبواب الرزق الحلال، وفتحت في وجوه بعض آفاق الفساد والعيث في الثروة والمال العام دون وازع أو رادع، وشرعت الدولة والمجتمع لآخرين التكسب والزعامة بالزندقة العلنية والردة؟
فهل تعلمون أن أنجع وسيلة اليوم للحصول على الرزق العاجل والجوائز الثمينة والغنى الفاحش واقتناء التأشيرات إلى جنة الدجال الغربي المتفسخ، هي سب الرسول والدين، وحتى الذات الإلهية؟
وهل تعلمون أن إعلان الانتماء إلى "الحراطين ولمعلمين المضطهدين في موريتانيا" يفتح أبواب أمريكا على مصاريعها "بفضل" المنظمات اليهودية في وجه المهاجرين؛ لحد أن الكثيرين من غير الشريحتين ولجوا زورا من هذه الأبواب المزورة أصلا؟
نقلا عن موقع المحيط نت
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق