... و استمر توتر العلاقات بين إمارتي ترارزه و
إمارة آدرار حتى كان مؤتمر تندوجه سنة 1856 على يد الشيخ سيديا الكبير الذي دعا
إلى توحيد الصفوف لمواجهة الغزو الاستعماري.. فكان ذلك من دواعي تجاوز الخلافات
البينية بين جميع الإمارات المشاركة في هذا المؤتمر..
و تقول
إحدى الوثائق الفرنسية التي كنا نشرناها في هذه المدونة في وقت سابق: "....و
في يناير 1856 وقع في البيظان حدث خطير.. لقد اجتمع لدى شيخ لبراكنه الكبير و
المحترم في كل أطراف الصحراء، الشيخ سيديا، زعماء القبائل بُغية التوصل إلى
إجراءات ملموسة بخصوص الحرب الطاحنة التي تفرضها عليهم فرنسا.. و قد وصلتنا شائعات
كثيرة عما دار في هذا الاجتماع.. لكن المؤكد أن الاجتماع تمخض عن صلح نهائي بين
محمد لحبيب و أولاد أحمد عيده.. كما قدم ملك ترارزه بعض التنازلات لأمراء قبيلته
اللاجئين حينها لدى إمارة آدرار.. فعادوا إلى أهلهم ليشاركوا في الحرب التي
يخوضونها ضدنا... أما سيد إعلي، ملك جزء من لبراكنه و حليفنا، فلم يتم استدعاؤه
لهذا الاجتماع الذي انعقد لدى الشيخ سيديا أو لم يشأ الحضور...".
و بالفعل
استمر الجهاد لدى المستعمر من جنوبي غرب ترارزه حتى بودور.. و برزت قوة الأميرين
محمد لحبيب ومحمد ولد سيدي البركني الذي تسميه الوثيقة { محمد سيدي}.. تقول
الوثيقة:
"
... في 6 يونيو 1856 حصل قائد كتيبة بودور
على أمرٍ بالتوجه إلى إمبانام للهجوم على حي محمد سيدي و من أجل الإعداد لذلك أخذ
معه 450 من رجال الوالو بزعامة فارا باندا
و 30 من فلان سان لويس و 130 من رجال سيد إعلي و 150 من المشاة و 40 من الخيالة و
14 من المدفعيين.. و آخرين.. ما مجموعه
850 رجلا.. بعد مسير مضنِ بسبب ارتفاع درجة الحرارة بشكل لا يُطاق.. تقدم متطوعو
الوالو و بيظان لبراكنه أمامنا فوصلوا إلى
الحي قبلنا بنصف ساعة و دخلوا في اشتباك عنيف مع مسلحي محمد سيدي الذين كبدوا
جماعتنا خسائر فادحة.. و أرغموهم على الفرار باتجاهنا.. فتوقفوا عن ملاحقتهم... و
قد اتضح أن متطوعينا الزنوج خلفوا وراءهم 23 قتيلا منهم سقطوا على أيدي مقاتلي
محمد سيدي..."
قيمة هذه
الوثيقة تكمن في أنها كتابة للتاريخ من جهة غير محايدة.. و ذلك ما يجعل ما يرد
فيها من تسجيل انتصارات المجاهدين الموريتانيين أمرا لا غبار عليه..
و هنالك
وثائق أخرى مشابهة تروي جانبا من هذه البطولات الهامة التي وحدت الجهد الوطني و
استطاعت أن تبث الرعب في قلوب الغزاة قبل أن يدخلوا هذه البلاد..
بيد أننا
نأخذ على من كتبوا عن هذه المقاومة محاولتهم قصر هذا الجهاد على فترة دخول
الاستعمار إلى البلاد أي مستهل القرن العشرين، مع أن الجهاد ضد الغزو الأجنبي وقع
على الضفة الجنوبية من النهر في عهد الأمير محمد لحبيب المتوفى 1860 .. بل إن بعض
الباحثين تحدث عن اهتمام الفرنسيين ببلادنا في منصف القرن السابع عشر.. إذ يذكر
الدكتور محمد المختار ولد السعد في رسالته:" نظرة تاريخية على شرببه" أن
الفرنسيين أقاموا تمثالا للإمام ناصر الدين في سان لويس و قاموا بحرقه.. و أن منير
الدين شقيق الإمام ناصر الدين كان في سفارة إلى سان لويس من أجل التوصل إلى اتفاق
معهم بشأن الحرب.. و أنه لاحظ نوعا من الفتور في المفاوضات معهم عندما علموا بمقتل
الإمام...
و يذكر
الدكتور كذلك أن سفنا فرنسية كانت تأخذ النهر جيئة و ذهابا..للاطلاح على أحداث هذه
الحرب.. مما يدل على أن اهتمامهم بالبلاد كان قبل تلك الفترة....
و قول
لمرابط: "و نحن دون الغضى..." فالغضى شجرٌ عظيم.. و المنطقة التي ذكر
الشاعر أماكن منها هي منطقة سهوب.. و تُسمى محليا ب " منطقة آتكور" و هي
منطقة تقع بين منطقة إيكِيدي و منطقة لمسايل.. و تنتهي من الشمال الشرقي في منطقة
تُعرف ب" خط الدامي".. و خط الدامي.. يعني خطا أسود في لون آدمٍ.. و هذه
تمتد من نهاية آتكور لتنتهي في آمشتيل و ينتهي آمشتيل في آوكار و ينتهي آتكور في تزاكِرت من الناحية الشرقية و
في لمسايل من الناحية الجنوبية الشرقية و لخشومه من الناحية الجنوبية...
و في
تزاكِرت يقول المرحوم أحمدو سالم ولد الداهي:
فسخت
لعمامه ذي اتراب ~~ و امعاها زاد اتحاكِرت
التزاتكِرت
امنين غاب~~ ذل غاب التزاكِرتْ...... يتواصل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق