في دجمبر 1855 لم تكن الحكومة الفرنسية تنوي ضم الوالو إلى الأراضي التي احتلتها، بل كانت تنوي فقط إعادة تشكيل خارطته السياسية وتركه تحت سيادة أولياء أمره شريطة أن ينهوا أي تحالف لهم مع البيظان وأن يعبّروا فعليا عن معارضتهم لهم. غير أن رفض سكان الوالو للتخلي عن كونهم رعية لملك الترارزه، جعل فرنسا تعلن الوالو منطقة فرنسية مقسمة إلى خمس مقاطعات تحت قيادة زعامات نحن من يعينها. وهذه المقاطعات هي: خوما، انغيانغي، اندير، فوس، وروس. ورغم ذلك، التحق متمدرو الوالو بإمارة الترارزه وحاربونا إلى جانبهم إلى يوم اتفقنا على السلام سنة 1858.
ولم تلبث الملكة اندتي يالا أن ماتت في منفاها. وكان ابنها سيديا (من زوجها بيتيو) وريث عرشها بعد إقصاء أخيه اعلي. وقد منحناه زعامة مقاطعة اندير.
ويجب التذكير أن من بين مظاهر بسط السيادة الفرنسية على الوالو كله، الهدوء التام الذي ساد عندما قمع النقيب افريكات روبين، بشدة، انتفاضة قرية ابرين في سبتمبر 1958. وقد أعدم ثلاثة من قادة التمرد رميا بالرصاص، فانتهت مثل تلك التمردات بسبب ما ووجهت به من عنف. واليوم يعتبر الوالو منطقة فرنسية بالكامل، يخضع أهلها تماما للقادة الذين اخترناهم. وقد تفرغت المنطقة الآن للزراعة والتجارة من أجل أن تعيد بناء ازدهارها فتنسى سنوات المعاناة الطويلة.
لكن يجب التذكير بالمسار الذي اتخذته عمليات دحر الترارزه قبل موت ملكة الوالو، وكيف كانت الحرب والمناوشات معهم.
في منتصف شهر مارس 1855، اقترب محمد لحبيب من النهر مع قبائله كما يفعلون في كل سنة وفي نفس الفترة. وقد تأثر كثيرا بالمعلومات التي تحصّل عليها بشأن غزونا لعزونه والوالو، فلم يكن له بد من محاربتنا وإن خشي كثيرا أن يصل به الأمر حد منازلتنا. كان محمد لحبيب سعيدا بسنوات حكمه الطويل على مدى 25 سنة، وكان فخورا بكل ما حقق بمكابرته تجاهنا. لقد أصبح محمد لحبيب السيد الوحيد لضفتي النهر، وكان قد أهاننا كما لم يفعل بنا أي ممن سبقوه، لكنه كان يحس، بحدسه المرهف، أننا عندما نستيقظ، اليوم أو غدا، سنكون وبالا عليه. من جانب آخر، كان التروزيون مقسمين في ما بينهم، فبعض الشخصيات الأميرية من الترارزه كانوا لاجئين في آدرار لدى أولاد أحمد عيده (زعماء أولاد يحيا بن عثمان الذين توجد بينهم والأمير محمد لحبيب عداوة). كان محمد لحبيب يقول لخاصيته: "لن أحارب النصارى خوفا من أن يقتلوا ابني سيدي". لكنه في الظروف الحالية لا يمكن أن يتخلى عن النبرة المعادية التي ميزت علاقاته بنا. وكان لزاما عليه أن يظهر بشيء من الثقة في النفس، على الأقل أمام شعبه. لذلك، عندما وصلته رسالة من الوالي الفرنسي يقول فيها ان "السلام لن يتحقق إلا بالشروط التالية:
- إلغاء نقاط عبور العلك،
- إلغاء الإكرامات التي كانت تمنح لأعيان الترارزه،
- تخلي الترارزه عن الوالو،
- وقف النهب في الضفة اليمنى"،
أجابه محمد لحبيب: "لقد وصلتني شروطك، وهذه شروطي أنا:
- زيادة الإكرامات الممنوحة من طرفكم لأعيان الترارزه والبراكنه والوالو،
- التحطيم الفوري لكل المرافئ والمراكز التي بناها الفرنسيون في الوالو،
- تحريم دخول أي قارب حرب في مياه النهر،
- دفع غرامات عن استغلال الماء والخشب في كت اندر وبوب انكيور.
- وأخيرا، كشرط مسبق قبل أي حوار، يجب على الحكومة الفرنسية أن تعيد الوالي فيدريب إلى فرنسا فورا".
هكذا لم يكن محمد لحبيب يحمل برنامجنا محمل الجد، كما لم يكن ينظر بعين الاعتبار إلى شروطنا. إذن كانت النتيجة الحتمية بالنسبة للطرفين هي اللجوء إلى القوة لكي تقول كلمتها الأخيرة. إلا أن هذا العدو (الترارزه)، وعكسا للوالو، كان أكثر عددا وأقوى تصميما وأكثر تمرسا على الحرب. وكان البيظان المحاربون في الترارزه يشكلون نصف سكانها، أما البقية فزوايا غير مسلحين. وكانت أسلحة الترارزه تتمثل في بنادق بطلقتين يشترونها أساسا من وكلائنا، وكثير منهم كانوا مبتوري الأيدي والأرجل بسبب انفجارات أو طلقات خاطئة بُعيد تجاربهم على الأسلحة التي لم يكونوا يعرفون. وكانوا يُجرون على هذه الأسلحة بعض الإصلاحات والتعديلات من قبل حدادين من بلادهم.
محاربو الترارزه لا يلبسون غير سراويل قصيرة ونوع من الكندورات (الدراعة، الملكيّه) المفتوحة من جانبيها كي تترك للأطراف حرية التحرك، ويشدونها حول ظهورهم بأحزمة. أما رؤوسهم فعليها شعر طويل مسترسل، ترفرفه الرياح، وبالتالي فنظرة واحدة إليهم تجعلك تحس بأنهم همج متوحشون. أما رواحلهم وأسرجتهم فصغيرة جدا بحيث لا يتجاوز وزنها 4 كيلوغرامات، وذلك لكي لا يثقل الفرسان كواهل الخيل والبعران التي يجب أن تكون سريعة أيام الحروب.
أما عن طريقة البيظان في الحرب، فهم لا يقاتلون إلا بدافع الغنيمة أو الأسر، وإذا لم يكن هناك ما يربحونه فهم -على العموم- يرفضون القتال. وإذا ما أرادوا مهاجمة قافلة، فإنهم يتخفون داخل الغطاء النباتي، وعند مرور القافلة يقتلون بعض رجالها عشوائيا ويقومون بنوع من الصراخ المفزع، وعند فرار أهل القافلة يسوقون الغنيمة. أما إذا دافع أصحاب القافلة عن أنفسهم، فالمهاجمون يفرون في أكثر الأحيان. وإذا أرادوا اختطاف قطيع، يتابعونه مدة أيام عن طريق جواسيس مختصين، ثم يهاجمون رعاته فيقتلونهم ويسوقون القطيع. وإذا خافوا من أن يتبعهم أهل القطيع، يذهب بعض الفرسان بالقطيع بسرعة عالية، ويبقى بعضهم ناصبين كمينا، وعند مرور أصحاب القطيع يطلقون عليهم الرصاص فيقتلون بعضهم ويفر البعض. أما إذا أرادوا اختطاف بعض الزنوج فيحيطون بقرية من قراهم في الليل، وعند إشارة معينة يطلقون النار والصراخ مما يثير رعب الزنوج أكثر من زئير الأسد، فيهرب الرجال ويختطف البيظان الأطفال والنساء.
الحالة الوحيدة التي يقاتل فيها البيظان بشراسة وشجاعة نادرة هي عندما يتعلق الأمر بخلافاتهم الداخلية. فعندما تكون هناك مشاكل أسرية أو قبلية، يندفع البيظان في عمليات قتالية جادة ومعارك قاتلة. أما ضد الأوربيين وضد السود فيكتفي البيظان بأذيّتهم بأقل قدر من الخسارة؛ لأن أحد نبلاء الترارزه، مثلا، قتله الأوربيون أو السود، يظل وصمة عار على أسرته. والحقيقة أن محاربي الترارزه لا يعرفون التعب، وهم كلهم طاقة وحيوية، وبالتالي يتحملون الكثير من المعاناة والفاقة. ويُظهرون للمهزومين والسجناء الكثير من القسوة، لذلك يثيرون في الأنفس رعبا لا حدود له. ومن الخطإ أن نقول بأن البيظاني ليس شجاعا؛ صحيح أنها ليست شجاعة الجندي المخلص لمهمته، وليست شجاعة الواجب التي تمليها بعض السياقات، لكنها شجاعة من فرضته الظروف على أن يكون العنف اليومي مصدر حياته الوحيد، وإلا مات. وهنا يكون الشرط الأول أن يعود البيظاني بغنيمته وهو حي حتى ولو تطلب الأمر الفرار. ان اجتياز النهر سباحة، في ليل مدلهم، رغم التماسيح، كما تفعل عصابات البيظان، يشكل قدرا كبيرا من الشجاعة، خاصة أنهم يغامرون بالتسلل، في مثل هذه الظروف، إلى بلاد تكرههم، فينتقلون فيها من قرية لقرية على الضفة اليسرى، ويتخفون عدة أيام داخل الغابات، ويهاجمون قرى أكثر منهم عدة وعتادا، ويغنمون غنائم كثيرة، ويسوقونها رغم متابعتهم من قبل محاربي القرى، فيجتازون الغابات والأودية والبحيرات، مخاطرين بإمكانية تعرضهم للكمائن في أي وقت. إنه نمط شجاعة هؤلاء..
مهما يكن فإن عودة الترارزه تم الإبلاغ عنها من خلال حادث مشؤوم. لقد كان أحد قواربنا المحمل بكمية كبيرة من البضاعة متوقفا للاستراحة قرب جدول مائي من النهر عندما فاجأه بيظان كانوا كامنين له داخل الأعشاب الكثيفة، فقتلوا غالبية طاقمه ونهبوا كل حمولته. وفي مساء 22 مارس هاجم بيظان الترارزه قاربا آخر محملا بالشعير قادما من مرينانغين، وكانت الحصيلة قتل واحد من طاقمه واختطاف امرأة من ركابه، فيما تمكن باقي الركاب من الفرار. وفي يوم 23 من نفس الشهر تحرك ضابط كتيبة المشاة، اغيون، إلى قرية لامباي وأمر عناصره بإشعالها. ومعلوم أن سكان القرية، بتحريض من اعلي، كانوا يظهرون لنا الكثير من العداء. وقد دخل اغيون في مناوشة جانبية مع بعض رجال القرية الذين جرح منهم 3 دون أن يتكبد عناصره أية خسارة.
في يوم 26 مارس غادر الوالي مع 450 من رجاله، بينهم 200 من المتطوعين، ليقوموا بغارة على قطعان العدو التي كانت حينها ترعى بين امبال وديالاخار. استرحنا عند جسر ليبار. وفي يوم 28 تحركنا عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وعند الساعة التاسعة صباحا نزلنا عند غدير مانغي. كان الخيّالة وبعض متطوعي الفلان قد تقدموا أمام المجموعة لكي يقوموا ببعض الغارات بغية النهب. عند الساعة 11 لاحظنا أن فرسانا من البيظان يتابعون تحركاتنا. هجمنا عليهم فاختفوا بسرعة. عند الساعة الثانية زوالا عاد الخيّالة ومعهم 150 ثورا. لقد التقوا بفرسان البيظان لكنهم لم يتجرأوا على مهاجمتهم. عند الساعة الثالثة عدنا وبتنا ليلتنا عند ديالاخار. عند الثالثة والنصف صباحا، وفيما كان القمر قد غرب، وأصبح الظلام حالكا، استيقظنا على هجوم شرس من قبل بيظان الترارزه الذين أطلقوا الرصاص على أذرعنا الأربعة وحتى داخل معسكرنا. وكان البيظان -الذين يتقنون فن استعادة الماشية المنهوبة- يحاولون استعادة الـ 150 ثورا التي غنمناها سابقا. فعمدوا إلى إرباك الثيران بالصراخ وإطلاق النار في كل صوب مما جعلها تجفل في كل الاتجاهات. وبما أن الليل مظلم ظلاما حالكا، وبعد أن أطلقنا قذائف متفرقة عشوائية، لم يكن بوسعنا غير الاختباء حتى تشرق شمس النهار. لقد قتلوا واحدا من رجالنا وجرحوا اثنين، وقتلوا فرسين لضابطين منا. بيد أننا عثرنا على بيظاني من فرسان الترارزه ميتا داخل مخيمنا، كما فهمنا من اللــّــجَبة التي ابتعدت شيئا فشيئا أنه ثمة جرحى بينهم. بعد طلوع الشمس غادر الوالي على أثر البيظان مع ثلث كتيبته. لكنهم كانوا قد ابتعدوا كثيرا. وخشية منه من تزايد أعداد الأعداء بتعزيزات جديدة، وخوفا منه من نفاد المؤن، وبسبب نقص وسائل لنقل 8 مرضى وجرحى من رجاله، قرر الوالي الرجوع إلى المخيم والمسير مباشرة إلى جسر ليبار. وبعد ساعة واحدة من مغادرتنا رأينا فرسان الترارزه يقتربون منا قبل وصولنا لاديالاخار. قام 100 من الرماة، بقيادة النقيب برياس، بصد محاولاتهم الاقتراب منا على طول الطريق بحيث قتل بعضهم بطلقات الكارابين التي لم يكن البيظان يعرفون مداها. وبعد أيام من الحادث أرسلنا دورية للاطلاع على الميدان، فكانت المفاجأة أن البيظان خسروا عددا لم نكن نتوقعه. فقد رأت الدورية 14 جثة ملقاة على الطريق، كما علمت أن أحد أمراء الوالو، كان ضمن تعزيزات تساند بيظان الترارزه، جرح خلال الأحداث السابقة.
هكذا ستصبح الحرب واقعا على الضفة اليمنى. وخلال هذه الحرب حرَّمنا التجارة والمتاجرة مع الترارزه على طول النهر من سان الويس حتى بودور.
من بين المتنافسين الاثنين على عرش البراكنه، واحد (يدعى سيد اعلي)، على خلاف مع محمد لحبيب، كان بطبيعة الحال إلى جانبنا. أما الآخر، محمد سيدي، رغم أنه يعتمد على الترارزه، فكان يفعل كل ما في وسعه لتجنب الدخول في عداوة معنا. حتى أنه يريد أن يجعلنا نعتقد أنه يساندنا في حربنا ضد الترارزه. إلا أنه ظل عاجزا عن تحقيق تعهداته لنا بمساعدتنا في الحرب ضدهم. بل حتى أنه لم يكن قادرا على الحفاظ على الحياد في هذه الحرب، مما أرغمنا في النهاية على القيام بأعمال ضده.
في شهر ابريل كانت بارجتنا على بعد مسافة من المركز استعدادا للقيام بغارة، إلا أن فرسانا من الترارزه وزنوج الوالو كانوا السباقين إلى مهاجمتها، غير أن رجالنا تمكنوا من العودة إلى المرفإ دون أن يتكبدوا أية خسارة.
في يوم 12 من نفس الشهر قام الأعداء بمحاولة للاستيلاء على ريتشالد تولد. ففي الخامسة صباحا تجمعت أعداد كبيرة من مسلحي الترارزه عند فلوازاك على بعد كيلومتر واحد من ريتشالد تولد. وقامت عصابات أخرى بمحاولة احتلال المركز من الجهة المعاكسة. المجموعة الأولى وجدت نفسها محاصرة بين رصاص المركز والمدفع الكبير المنصوب على جسر اتوي، وقد أرغموا على الانسحاب من مواقعهم حاملين معهم موتاهم. أما المجموعة الثانية فتصدى لها ضابط المشاة بورتاليز (قائد المركز) فانسحبت هي الأخرى. في هذا اليوم بالذات قرر الوالي أن يذهب ليهاجم البيظان في عقر دارهم. فانتقل من سان الويس في السابعة مساء مع كتيبة من 1500 رجل و5 قوارب حربية. في يوم 13 وصلنا ريتشالد تولد حيث علمنا أن محمد لحبيب جمع كل قواته لاجتياح الوالو. كانت خطة الوالي تقضي بمهاجمة البيظان هجوما شرسا يرغمهم على العودة إلى أحيائهم للدفاع عنها والانشغال بالدفاع عنها بدل مهاجمة فرنسا في الوالو. في يوم 15 غادرنا باتجاه البيظان، وعند غدير مرغان وقعنا على حيين من أولاد عايد ولكتيبات فقتلنا بعض رجالهم وأسرنا 50 منهم، لكننا أطلقنا سراح بعض من لا قيمة لهم خاصة أن لدينا زحمة في أعداد السجناء بسان الويس. في طريقنا تعرضنا لرياح عاصفة عاتية بحيث أن أحد خدمنا مات تحت تأثيرها، ولم نصل تخوم النهر إلا وقد سقط 40 من رجالنا مرضى وفقدنا أحد خدمنا في معمعان الرياح عندما ضل الطريق فالتقى بفرسان البيظان الذين ذبحوه فورا. في يوم 16 و17 كانت شدة الرياح تمنعنا من القيام بأي عمل ضد الترارزه.
علمنا، بعد تحركنا العسكري، أن حامية من أولاد عايد انسحبت من جيش ملك الترارزه واجتازت النهر باتجاه المناطق التي نسيطر عليها. في يوم 18 انتقلنا باتجاه ريتشالد تولد بغية ملاقاة محمد لحبيب لمحاربته إن كان ما يزال في الضواحي أو بغية طرده من اندير، عاصمة الوالو، التي احتلها كما يقولون. تحركنا في عدة اتجاهات لكننا لم نلتق به. وقال لنا جواسيس يتجولون في المنطقة ان محمد لحبيب غادر رفقة كتائبه إلى لامبسار وكنجول كي يبعث القلق في سكان سان الويس. وبما أننا احـــتطنا جيدا لتحصين سان الويس، لم نعر اهتماما لتحركات الترارزه نحوها، واخترنا أن ننتهز فرصة غياب محمد لحبيب لنهاجم ميدانه الخاص ونغنم منه. في يوم 22 كنا داخل أحياء محمد لحبيب ومواشيها. وقع تبادل لإطلاق النار فلم نأسر غير 10 سجناء، لكننا غنمنا 3000 بقرة من أملاك إدكباجه وإكمليلن، وخسرنا حصانا واحدا. ورغم المصاعب قرر الوالي أن نوصل هذا البقر إلى سان الويس عبر الطريق البري. وفي يوم 24 كانت بشارة كبيرة بالوصول إلى سان الويس بهذا القطيع المذهل. خلال هذه الأحداثق كان جسر لايبير مسرحا لعمل مسلح. فمحمد لحبيب الذي ظل على مدى 10 سنوات يهددنا بأنه سيصلي صلاة المسلمين في كنيسة سان الويس، والذي هاجمنا أكثر من مرة في كت اندر وفي جزيرة سور، يريد هذه المرة أن يدخل عبر جسر ليبار. جاء ملك الترارزه بكل جيشه مهاجما القلعة التي توجد تحت حماية رقيب المشاة ابرينيي و11 مجندا ومدفعين ثقيلين. وعلى الطابق الأول من القلعة يوجد 8 راميات قذائف. في يوم 21 ابريل كان البيظان يتسلقون القلعة بتبجح واندفاع لا مثيل لهما. بعضهم يحاول سد المنافذ والبعض يحطم أجزاء من المبنى، فيما أحرق بعضهم كوخا قرب القلعة كانت بمثابة مطبخ الحامية. كان الدخان يملأ المكان، وفي كل لحظة كان المشاة الفرنسيون يخشون من أن تنفجر حاويات ذخائرهم. ورغم هذه الظروف الصعبة، ورغم ما تكبده الأعداء من خسائر في الأرواح، فإنهم لم يزدادوا إلا تهورا وشجاعة، غير أن جنودنا لم يفقدوا هدوءهم، بل قرروا أن يفجروا ذخيرتهم فيموتون منتحرين عندما يتأكدون أن البيظان سيسيطرون تماما على القلعة. وبعد 5 ساعات من المكابدة والكفاح انفجرت قذيفة كبيرة قرب ملك الترارزه فهرب البيظان تاركين أسلحتهم وبعض موتاهم. وفي اليوم الموالي أحرق جنودنا 30 جثة من البيظان المهاجمين بالأمس، وتبين أن أميرين من الترارزه وأحد وزراء الملك كانوا من ضمن القتلى {اثنين من الأسرة الأميرية وأحد الأعيان} وقد سحب البيظان معهم عددا كبيرا من الجرحى وكان من أبرزهم ابن بيكيو. وأصيب الرقيب برينيي إصابة خفيفة بالإضافة إلى اثنين من رجالنا. بعد هذه الأحداث انسحب محمد لحبيب إلى روس، وبعد 3 أيام علم بغارتنا على بعض الأحياء التابعة له، وعلمنا نحن أن الحي الذي يضم أسرة الأمير لم يكن بعيدا من المكان الذي هاجمناه.
في شهر مايو، علم محمد لحبيب أن الوالي خرج من سان الويس عن طريق لايبير ليسحقه، فتذرّع بأن أولاد أحمد عيده أصبحوا يهددون إمارته من ناحية الشمال، وأن عليه أن ينسحب من الوالو بكل جيوشه ليتفرغ لإمارة آدرار. وتمكن من الخروج من امبكم متجاوزا بقوة فائقة الحصار العسكري الذي لم يكن متينا بما فيه الكفاية. وبدأ سكان الوالو يأخذون على محمد لحبيب تخليه عنهم في مثل هذه الظروف. قال لهم بأن عليهم أن يتعاملوا مع الوضع بأنفسهم، حتى أنه كان يريد أن يذهب بابنه اعلي معه. لكن هذا الشاب المليء بالحيوية والتصميم ثار غضبا ضد والده واختار أن يواصل الكفاح ضد الوجود الفرنسي في الوالو.
مباشرة بعد انسحاب البيظان، قام بعض أعواننا بغارة في الوالو نهبوا خلالها الكثير من البقر. وفي يوم 25 مايو بعث الوالي بـ 100 من المشاة تحت إمرة النقيب شيرات، في 8 قوارب مسلحة، بغية حرق ونهب قرية غيلاند وباقي القرى التي نجت في الحملات السابقة. ثم قام شيرات والضابط اغيون بإشعال 6 قرى كان اعلي قد أرغم ساكنيها على الوقوف ضدنا. في يوم 2 يونيو حمل أحد قواربنا 200 من المتطوعين إلى غدير ولالان حيث غنموا 800 ثور و800 كبش دون أدنى مقاومة، وعادوا بالغنيمة إلى سان الويس. واتضح فيما بعد أن هذه المواشي مملوكة من قبل لبيدات وإكمليلن وتندغه. في يوم 4 قام فارا بندا - الذي عيناه زعيما للوالو- بغارة على قافلة للبيظان كانت تحاول اجتياز النهر بين ريتشالد تولد ودكانه فقتل عدة أشخاص وأسَّر 6 سجناء. في يوم 7 قامت حامية بالاستيلاء على قافلتين قرب سان الويس مخلفة عدة قتلى بين البيظان. في يوم 7 حاول متمردو الوالو إشعال قرية مريناغين الموالية لنا، وقام السكان بأعمال شجاعة لحماية قريتهم. أحد الموالين لنا اقترب كثيرا من الأعداء فأصيب في فخذه فأتاه الأمير بيكي ياد (قريب الملكة) وأجهز عليه فذبحه بسكينه قبل أن يُقتل هو نفسه على يد كبير متعاوني سان الويس، داوور. خلال هذه العملية خسر العدو عدة رجال ولم نخسر نحن غير رجل واحد. في يوم 10 هاجم النقيب بيتل قافلة وأسّر 10 سجناء وغنم ثيرانا وجمالا وبعض البضائع. بعد أيام قام 450 متطوعا بغارة على قطيع لتندغه وانتابه وعادوا بـ 200 بقرة لكن 3 من رجالهم قتلوا. أحد المتطوعين قتل لوحده 3 بيظان وأسرنا سجينين. وفي المساء جاء البيظان وأطلقوا النار على مخيمنا بغية استرداد القطيع الذي استردوا فعلا نصفه والنصف الآخر عدنا به إلى سان الويس.
منذ انطلاق الحرب غنمنا من الترارزه 8000 من البقر قسمت وبيعت في سان الويس أو سيقت لترعى في مراعي كايور. لكن الترارزه فقدوا أكثر بسبب المجاعة لأن قطعانهم لم تعد تستطيع الرعي في مراعيها التي تعودت عليها في الوالو.
لقد تعزز وجودنا في الوالو منذ شهر يونيو، فالملكة نفسها، دون اعلي، أتت تطلب منا السلام. لقد فقد محمد لحبيب ما يحيط بشخصيته من هالة في أذهان الزنوج. فهذا الزعيم، المهان والمداس في كرامته، صرح هو نفسه بعجزه عن محاربتنا واختفى بعيدا في الصحاري. وللأسف فإن محمد لحبيب ما يزال قويا على مستوى الضفة اليمنى بحيث يمكنه أن يرغم محمد سيدي (لبراكنه) أن يلتحق به ضدنا فيمنع القوافل من الوصول إلى بودور ويحاول فرض الإتاوات القديمة.
في يوم 20 يونيو، اجتمع في انتياكو زعماء جامبور الوالو، الذين كثيرا ما تعهدوا لنا بالخضوع، فذهب الرائد موريل من ريتشالد تولد مع 300 رجل من كتيبة المشاة و30 حصانا ومدفعا ثقيلا كي يغافلهم. أحاط بالقرية ودخلها، لكنه للأسف لم يجد من كان يبحث عنهم لأنهم غادروا قبل وصوله، فعاد وليس معه غير 10 سجناء.
أراد الوالي أن يحسم أمر ما تبقى من الوالو خارج سيطرته، فذهب في حملة عسكرية في تيانيالد وسط الوالو حيث آخر معقل يتحصن فيه بعض البيظان المتحالفين مع بيتيو (وهو زعيم صالحناه في السابق لكنه أظهر لنا الكثير من العداوة بضغط من محمد لحبيب). في يوم 25 غادر الوالي بيوتفيل مع مجموعة من 1100 رجلا (500 من جميع الوحدات و600 متطوعين) فاجتاز جسر لايبير. في يوم 29 بتنا في بلدة كيموي، ثم توجهنا إلى جاراو بعد مسيرة طويلة عانينا فيها العطش، خاصة المشاة. خلال النهار قام الوالي وبعض الخيالة بإحراق قرى باريديان وسوخوي وانكاد عمر فال. ووجدنا في هذه القرى رجالا مسلحين فقتلنا منهم 7 واعتقلنا 3 من بينهم أحد الزعماء التقليديين وسرحنا النساء والأطفال. علمنا في باريديان أن اعلي والبيظان، لما علموا بقرب مجيئنا، غادروا إلى مضارب الترارزه، وأن الملكة وعبيدها لجأوا إلى انكك في كايور، وأن بيكيو وقطعانه ورجاله فروا إلى انكاي في كايور أيضا.
غادرنا إلى لامبسار للحصول على الماء الشروب، وفي الطريق أشعلنا قرية اندلي وكل الأكواخ التي تشكل مخازن للشعير. في ذات المساء غادر 200 من الفلان والتكارير مخيمنا لتمشيط الجزيرة التي تعتبر ملاذا اعتياديا للبيظان. وذهب الوالي مع بعض الخيالة والمتطوعين ليحرقوا كلين وروس (عاصمة بيكيو). في يوم 1 يوليو اجتزنا توبي التي عاد إليها سكانها بعد أن اطمأنوا أن البيظان غادروا وبدأوا يعملون في الزراعة، وفي نفس اليوم عدنا إلى سان الويس.
أعداؤنا البيظان والزنوج تم طردهم نهائيا من الوالو الذي أشعلنا فيه 40 قرية منذ بدء الحرب. كل القرى المحاذية للنهر عاد إليها السكان الموالون لنا أو الذين أصبحوا موالين لنا، وبدأوا في إظهار عداوتهم علنا للترارزه.
في النصف الأخير من يوليو قامت القوارب البخارية، بمساعدة من المتطوعين، بالإغارة على قوافل للترارزه غانمين منهم عشرات المئات من الماشية و12 ألف كيلوغرام من الحبوب وكمية كبيرة من الملح.
في بداية أغشت حاول رجال من عزونه، كانوا في حالة فرار، اجتياز النهر باتجاه الضفة اليمنى، وحاولوا منح القرى الموالية لنا بعض الرشاوي مقابل تسهيل مرور نسائهم وأطفالهم ومؤنهم، وعندما وصلوا إلى رزكه اعترضتهم دورية وغنمت منهم بعض المؤن. في سبتمبر كان البيظان قد توغلوا في الصحاري شمال النهر ولم يعطونا أية فرصة لمواصلة الحرب معهم.
في شهر اكتوبر أعلن بوربا جولوف للوالي أنه سيكون من ضمن غارمي فرنسا، وأن السكان سيمنحون للإدارة الفرنسية الـ 200 ثور التي كانوا يدفعون للترارزه، وشكرنا كثيرا على بسط الأمن والسلام في المنطقة، متعهدا بأن محاربيه سيساعدون مجندينا في حربهم ضد البيظان، لكنه اقتراح ظل غير جاد. وفي بداية اكتوبر 1855 أرغمت المجاعة قبائل الترارزه على الاقتراب من النهر. والتقى بعض فرسانهم بقارب لنا فأطلقوا عليه النار مخلفين 4 قتلى و3 جرحى، ولولا تدخل حامية بعث بها قائد مركز ريتشالد تولد لما بقي أي شخص مع ربان القارب المدعو والي جابي.
في فاتح نوفمبر علم الوالي أن عصابات من الترارزه دخلت الوالو وتجاوزته إلى كايور من أجل شراء أسلحة سريعة، فقام رفقة الكثير من الخيالة بدوريات في المنطقة للاستطلاع، وتحت تأثير هذا التحرك قام سكان كنجول ونيامبور بطرد البيظان ونهب ما لديهم.
في يوم 12 يناير 1856 قام 300 متطوع بالإغارة على الترارزه وعادوا بـ 700 بقرة و800 من الغنم و10 سجناء. في يوم 18 من نفس الشهر وجهنا ضربة مؤلمة للترارزه. فكل عصاباتهم التي دخلت الكايور رغما عنا، بحثا عن الحبوب التي أصبحت في حاجة ماسة إليها، تجمعت في مكان واحد كي تفرض فتح معبر على النهر لتجتازه إلى الضفة اليمنى. وأخبرنا جواسيسنا باليوم الذي سيغادرون فيه باتجاه النهر والطريق الذي سيسلكون. كانت قافلتهم مكونة من 500 دابة محملة بقماش النيله ومحروسة من قبل ما يناهز 500 مسلح. بعثنا بـ 500 متطوع لانتظار القافلة بين رونك وروس عند أضاة خساخ، وانطلق الوالي نفسه في قوارب عسكرية ليعضد مجندينا. لكن عندما وصل وجد أن المتطوعين أنهوا الأمر قبله وعادوا إلى سان الويس حاملين معهم 400 ثور و550 قطعة من النيله وبعض الأحصنة والبارود، ولم يبق في المكان إلا 7 جثث للبيظان. ومعلوم أن بعض الأشخاص والعبيد التابعين للترارزه، بفعل المجاعة التي قتلت الكثيرين، أصبحوا يعبرون إلى الضفة اليسرى مسَلــّمين أنفسهم ومعلنين لنا عن ولائهم التام. في هذه الأثناء وقع حادث مؤسف في ضواحي سان الويس وذلك عندما ابتعد بعض البنائين قليلا غير مبالين بمخاطر المنطقة فوقعوا بين 4 فرسان من الترارزه كانوا كامنين بين الأشجار فأطلقوا عليهم النار فقتلوا واحدا منهم وجرحوا الثلاثة المتبقين جروحا بالغة.
في بداية فبراير بدأت الضفة اليسرى تقوم ببعض الغارات على الضفة اليمنى، هكذا هاجم لام تورو لبراكنه وغنم 2000 رأس من الغنم وقطيعا من البقر لقبيلة تناك. في يوم 2 فبراير قام فارا بندا بنهب 800 رأس من الغنم لأولاد الفاغي وقتل عدة أشخاص وخسر رجلا واحدا. في نفس اليوم قام الفلان والتكارير (من الموالين لنا من تورو وديمار وبودور) بنهب 350 رأسا من غنم اتوابير (القاطنين في منطقة البراكنه) فقتلوا 6 بيظان وقــُـتل من أصدقائنا شخص واحد. في اليوم الموالي أحرق الضابط بنيش حيا لقبيلة لكتيبات بقي على الضفة اليسرى في بلدة لمنايو. في يوم 7 فبراير خطف متطوعو سان الويس 600 رأس من أغنام قبيلة لماكي (الترارزه).
لقد كبدنا الترارزه الكثير من الخسائر ووجهنا لهم الكثير من الضربات الناجحة بغية تثبيط هممهم وجعلهم يرضخون للسلام، لكنهم بسبب الخطأ الذي عاشوه ردحا من الزمن، لا يمكنهم أن يقتنعوا أننا أقوى منهم، وبالتالي يبحثون دوما لأنفسهم عن تفسير يرضيهم لكل الأحداث الغريبة التي كانوا شهودا عليها وفي نفس الوقت كانوا ضحاياها. وبهذا ما يزالون يبحثون عن أفضل السبل لإمالة كفة الحرب لصالحهم.
في يناير 1856 وقع في البيظان حدث خطير. لقد اجتمع لدى شيخ البراكنه الكبير والمحترم في كل أطراف الصحراء، الشيخ سيديا، زعماء القبائل بغية التوصل إلى إجراءات ملموسة بخصوص الحرب الطاحنة التي تفرضها عليهم فرنسا. وقد وصلتنا شائعات كثيرة عما دار في هذا الاجتماع، لكن المؤكد هو أن الاجتماع المذكور تمخض عن صلح نهائي بين محمد لحبيب وأولاد أحمد عيده، كما قدم ملك الترارزه بعض التنازلات لأمراء قبيلته اللاجئين حينها لدى إمارة آدرار فعادوا إلى الترارزه ليشاركوا أهلهم في الحرب التي يخوضون ضدنا. أما سيدي اعلي، ملك جزء من لبراكنه وحليفنا، فلم يتم استدعاؤه لهذا الاجتماع الذي التأم لدى الشيخ سيديا أو لم يشأ حضوره.
ورغم أن ملك الترارزه مرغم، بفعل ما حدث في السنة الماضية، على الاعتراف بأنه غير قادر على منافستنا في الضفة اليسرى ولا حتى في النهر، فقد صرح بأنه سيحاربنا حتى آخر نفس إن نحن دخلنا بلاده (أي منطقة الترارزه في الضفة اليمنى). أما الزنوج فلا ينتظرون غير هذه التجربة للاقتناع بأننا أقوى من البيظان.
بعد أن وصلته تعزيزات عسكرية من فرنسا ومن النقيب البحري، قائد قوات الشواطئ الإفريقية الغربية، مولييون، صمم الوالي على دخول كنار (على الضفة اليمنى، في عمق إمارة الترارزه)، وذلك عن طريق بودور، وبغية قطع الصلة بين الترارزه وحلفائهم من لبراكنه (طرف محمد سيدي). وبما أننا نجهل العدد الحقيقي لفرسان الترارزه، الذي تقول الوثائق القديمة انه قرابة 6000 مقاتل، وتحاشيا للتعرض لأي فشل في فترة نشكل فيها محل أنظار كل سكان سينيغامبيا، جمعنا لدخول كنار قوة معتبرة قوامها 1000 جندي و1500 متطوع و200 حصان و4 مدافع ثقيلة. أما وسائل نقل المؤن فلم تتجاوز 4 جمال و40 حصانا. قاد موريل المشاة، وقاد المدفعية دلاسولت، وقاد الهندسة العسكرية النقيب باران، وقاد الخيالة النقيب تولوبر إلخ..
كان علينا أن نصل بحيرة كايار الشهيرة التي تتجمع حولها قبائل الترارزه عندما لا يكون بمقدورها الاقتراب من النهر. في يوم 16 كنا قد اجتزنا بكل عدتنا وعتادنا إلى الضفة اليمنى وصرنا وجها لوجه مع أول قراها. في يوم 17 بدأنا المسير نحو تجمع مياه يدعى كوندي. قطعنا أربع مراحل داخل غابة غوناكي الكثيفة والتي كانت تشكل مخبأ للبراكنه عندما يكونون في حرب مع جيرانهم. بتنا مساء 18 قرب بحيرة بروادي الفاتنة. خرجنا الغابة ودخلنا في منحدر رملي مليء بالشجيرات والأشواك وجداول المياه. استولى متطوعو الفلان، الذين يقومون باستطلاعات أمام موكبنا، على قافلة صغيرة، غير أن رجالها نجوا من الأسر. دخلنا موضعا كانت فيه سابقا قرية ولفية تدعى ديمار، انتقلت فيما بعد إلى ديالامات. من ديمار ارتحلنا ليلا لندخل غابة قتاد جافة لا ماء فيها. أصبح الرجال يعانون من الإرهاق والعطش. لقد بدأت المتاعب الحقيقية لأننا أصبحنا ندفع الكثير من النقود مقابل قطرة ماء. وزعنا قليلا من الماء على الرجال، وانطلقنا. بعد خمسة مراحل استغرب الوالي أننا لم نصل البحيرة التي تحدثت عنها معلوماتنا الاستخباراتية وأيضا الخريطة غير الدقيقة التي نركن إليها. أرغم الوالي أدلــّـتنا على تقديم تفسير للأمر فاعترفوا بأنهم لا يعرفون أين نحن الآن. لقد ضلوا الطريق. ها نحن وسط الصحراء مع رجال يموتون من العطش وبعضهم لم يعد باستطاعته التقدم قيد أنملة إلى الأمام. إنه وضع مقلق حقا. توقفنا برهة وأرسلنا فرسانا إلى الغرب بحثا عن جدول أو بحيرة أو أضاة، فيما كان الأدلة ينصحوننا بالتوجه شمالا. بعد ربع ساعة عاد الفرسان يصرخون من السعادة. لقد عثروا، على بعد كيلومتر واحد، على أضاة كبيرة فيها ماء عذب. نزلنا عند الأضاة وأمضينا هناك يوما كاملا. لقد وجدنا آثار قبائل الترارزه الذين ارتحلوا في وجهنا عندما أنذرتهم القافلة الصغيرة التي استولى عليها الفلان كما ذكرنا آنفا. أرسلنا المتطوعين للاطلاع أمام موكبنا عساهم يعثرون على القبائل الهاربة. عثر المتطوعون على حي من لمرادين وعادوا إلينا بقطيع من 500 رأس من الغنم وبعض المساجين. لم يكن أمام الوالي أي خيار غير العدول عن هذه المهمة والرجوع فورا لأن لدينا الكثير من الرجال المرهقين والمرضى. في يوم 20 توجهنا قافلين نحو النهر. في يوم 21 بلغنا بحيرة سكام، ومنها اتجهنا إلى دكانه، فريتشالد تولد من ناحية الضفة اليمنى حيث التقينا بأربعة أسود جميلة تتجول بين الغابات. في يوم 22 رجع المتطوعون في حملة سريعة على تنيدر حيث أغاروا على زمبتي وعادوا بـ 300 رأس من الغنم و25 أسيرا. وفي يوم 25 أحرقنا في طريقنا قرية كراك التي يسكنها زنوج ولفيون من أتباع الترارزه. في يوم 25 غادرنا من جختان إلى خان، وذهب المتطوعون بغية الإغارة في ضواحي داره وعادوا بغنيمة من 600 ثور و20 جملا و800 رأس من الغنم و20 أسيرا من أولاد رحمون وغمباتن وتغرجنت وبعض قبائل الزوايا. في يوم 27 ذهب الوالي مع 100 من الخيالة إلى داره كنوع من تحدي الترارزه فالتقى بعصابة مسلحة من أولاد رحمون فطاردهم. بعض رجالهم، لما تيقنوا أنه لا مفر منا، واجهونا بشراسة حيث كسروا ذراع المجند ريفال وأصابوا صدر أحد الخيالة وقتلوا حصانا لخيال آخر، بينما قتلنا 8 منهم وأوقعنا في الأسر 6.
البيظان لا يعرفون إلا حرب المناوشات، وعندما يتأكد أحد مقاتليهم أنه سيموت لا محالة، يرتمي في أجمة من الأشجار، وهنا يجب أن يعلم أعداؤه أنه قطعا لن يموت قبل أن يقتل أحدهم. ولعل المجندين السينغاليين هم أول من يعرف هذه القاعدة المترسخة لدى البيظان لذلك فمائة من المجندين لا تستطيع الاقتراب من بيظاني واحد عندما تتقطع به السبل، لأنهم يعلمون أنه لا محالة سيقتل اثنين منهم على الأقل بطلقاته النارية السريعة قبل أن يقتلوه. إذن يجب التعامل بحذر شديد مع هؤلاء المحاربين البيظان عندما يكون أحدهم مسلحا ولا فرصة للنجاة لديه.
وجدنا عند داره معلومات أكيدة تفيد أن الأمير التروزي ولد أحمد شين كان - قبل مجيئنا بقليل- يتجول داخل الحي الذي يُعَدّ من ضمن غارميه. أحرقنا القرية كلها وأخذنا كل من كان فيها (ما يناهز 500 شخص) وبعثنا بهم إلى الوالو ليتوطنوه. غادرنا يوم 27 إلى مارينغوين (مالكويني) وهناك وصل قارب عسكري حمل المشاة إلى سان الويس. أما الخيالة وبقية الموكب فاجتازوا إلى بودور وذهبوا برا إلى سان الويس. وكانت الحصيلة أننا قتلنا من العدو قرابة الـ 10، وأسرنا 600 شخص، وغنمنا 1600 من الغنم، و600 من البقر و20 جملا، لكن كل ذلك لا يمثل شيئا بالمقارنة مع التأثير النفسي لحملتنا. وقد علمنا من خلال السجناء أن محمد لحبيب نجا بنفسه وأسرته بعيدا داخل البلاد تاركا بلاده وقبائله وأموالها تحت رحمتنا. ولم يدخل المستشفى من رجالنا في سان الويس غير 10 مصابين بالإسهال.
في يوم 6 مارس علم الضابط افليز أن قافلة من أولاد بو اعلي، تحت قيادة زعيمها حمزة، توجد في ديالماش في محاولة منها للاجتياز نحو الضفة اليمنى. فأرسل متطوعين من دكانا برئاسة دام امبودج للإستيلاء عليها خاصة أن سكان جامبار لا يريدون تسليمها لكنهم مستعدون لتركنا نفعل بها ما نشاء. ولما فهم حمزة أن المقاومة غير مجدية سلم للنقيب نفسه وجماعته وما عندهم من مواش وبضاعة. في يوم 20 اختطف فارا بندا 20 شخصا قرب امبكم، وفي يوم 19 قتلت دورية 3 من البيظان.
في هذه الأثناء ظل محمد لحبيب مسيظرا تماما على الضفة اليمنى وخاصة على البراكنه، وكان ملكهم محمد سيدي، بدعم من محمد لحبيب، قد جعل الكثير من سكان البراكنه في حالة عداء معنا. كانت مهمتنا الكبيرة هي جعل سيدي اعلي (منافس محمد سيدي) ملكا لكل البراكنه، ثم نحاول بعد ذلك جعل البراكنه حلفاء لنا ضد الترارزه. كانت المهة صعبة لأن سيدي اعلي لا يثق فينا إطلاقا؛ فهو يتذكر أن الفرنسيين سنة 1850 تعهدوا له بدعم حقوقه ثم تخلوا عنه. في يوم 8 بعثت الإدارة إلى بودور قاربا محملا بسرية من المشاة. في يوم 11 نزل هؤلاء على الضفة اليمنى عند كوندي مكونين مخيما عسكريا مهمته حماية سيدي اعلي الذي سيزور المنطقة. وكان علينا أن نقوم بشق طريق يقود إلى الداخل. إبان أعمال الشق اختبأ محاربون بيظان في الغابة قرب الطريق وقتلوا 4 من عمالنا التكارير.
في يوم 22، ومن أجل أن ينشغل هو نفسه بقضية البراكنه في سبيل البحث عما يمكن فعله للطرف الموالي لنا، انتقل الوالي من سان الويس على قارب حتى وصل امبوروبي. وفي الطريق تعرض القارب لإطلاق نار من قبل رجال محمد سيدي. لم نجد سيدي اعلي على مشارف مافو كما كان متوقعا، لكن الوالي توجه إلى بودور حيث وصل الأمير يوم 27 مع 40 من فرسانه. فطلب من الوالي مرافقته حتى آليبي بغية فتح الطريق للطرف الموالي له من قبيلته التي يحول بينها مع بودور مخيم محمد سيدي. أخذنا 500 مجند و30 من فرسان البراكنه و10 متطوعين وغادرنا إلى آليبي، لكن وادا مغمورا بالمياه حال دون تحقيق المهمة فعدنا، وأبقينا على حامية صغيرة لمساندة سيدي اعلي. في يوم 30 مارس هاجمنا حيا من قبيلة اكداله المعادية لنا وقتلنا ابن زعيمهم. في يوم 31 توقفنا عند سربولي حيث التقينا سيدي اعلي. غادرنا بمحاذاة النهر حتى مافو. قام سيدي اعلي وبعض المتطوعين بجولة في ناحية الشمال قرب بحيرة امبريه، فاستولوا على 500 من غنم اكداله وإديلك، وقتلوا 5 بيظان وجرحوا العديدين، ومن بين القتلى عثرنا على ابن زعيم تناك. أخذنا 10 أسرى وبعض الثيران. في يوم 2 ابريل قمنا بحملة داخلية دون نتائج. في يوم 3 عدنا لمخيم كوندي، ولم نخسر في هذه التحركات إلا شخصين، أحدهما من مجندينا والآخر من رجال سيدي اعلي.
في حين يخوض جنودنا حربهم ضد البراكنه (طرف محمد سيدي) كان الترارزه يحاولون جر الوالي وقواته إلى داخل بلادهم. إن هيمنة فرنسا على البراكنه، وبالتالي جزء كبير من الضفة اليمنى، يعد عاملا مؤثرا جدا على محمد لحبيب بنفس مقدار ما تؤثر عليه سيطرتنا على الوالو. قال محمد لحبيب لبعض خواصه انه كان ينتظرنا مع جيشه عند تكشكمبه، إلا أن ذلك لم يكن إلا تبجحا، كما تؤكد ذلك، فيما بعد، أحداث مايو 1857، عندما قامت كتائبنا بالدخول إلى أرضه فانسحب أمامها بدل مهاجمتها.
علمنا أن عصابات من البيظان اقتربت من النهر، وتمكنت من اجتيازه إلى الضفة اليسرى واستولت على مئات الأبقار في قرية منكي وعادت إلى مواطنها. بعض البيظان الأكثر جراءة هاجموا قلعة انجاكو شمال سان الويس، لكن قواتنا صدتهم بسهولة. في يوم 10 ابريل اجتاز مسلحون من البيظان إلى الضفة اليسرى وهاجموا قطيعا من مواشي الإدارة متوجها من دكانه إلى سان الويس فقتلوا 2 من حراسه. في يوم 15 قتل مسلحون بيظان 2 من جنودنا قرب مخيم كوندي. لكننا في يوم 20 انتقمنا منهم انتقاما مدويا عندما قام النقيب غيي بالتحرك شمالا مع 160 من المشاة ومدفعين ثقيلين فعثر على جماعة من مسلحي الترارزه، فارتمينا عليهم بالرصاص والقذائف ففروا أمامنا مخلفين وراءهم 8 جثث تبين أن من بينها أكبر محاربي الترارزه (زعيم أولاد دمان: والد زوجة محمد لحبيب) وعدة أمراء من قبيلته. كانت هذه الخسارة ذات وقع كبير على الترارزه. بعد يومين حاول البيظان الثأر منا فنصبوا كمينا لعمالنا فقتلوا 4 منهم ونجا الآخرون. في نفس اليوم قام البيظان بهجوم على مخيم عمال الطريق عند كوندي وأشعلوا فيه النار دون أن ينتبهوا للقذائف الكبيرة المخزنة في الأكواخ والتي انفجرت عليهم فقتلت اثنين منهم، وأصيب ابن أخ محمد لحبيب (الإبن البكر لاعلي خملش) في كتفه.
عاد الترارزه إلى مواطنهم بعيدا عن النهر بعد أن أحبطوا من عدم جدوائية جهودهم وكثرة الخسائر التي تكبدوها. كما أن محمد سيدي، الذي تخلى عنه جل البراكنه واستولى المتطوعون على 2000 من غنمه، انسحب إلى الداخل، فيما ازدادت شعبية سيدي اعلي.
في يوم 27 ابريل اجتار فارا بندا النهر مع 100 مجند وعاد بـ 2000 رأس من الغنم و40 ثورا و13 أسيرا. كما قتل 2 من البيظان. بعد يومين، وبأمر منا، قامت دورية من الفلان بالبحث داخل الوالو فاشتبكت مع عصابة من البيظان متسللة مما أدى إلى قتل قائد جماعتنا المدعو بالال وزوج أخته. كان موت بالال خسارة كبيرة لنا لأنه قدم لنا خدمات جليلة خلال الحرب. لقد حل محله أخوه صمبه انغوما وكان جديرا بتلك المكانة.
في يوم 9 مايو غادر الوالي سان الويس للإغارة على بلاد الترارزه خاصة في دارَه وامبل. عندما وصلنا داره فر أمامنا محمد لحبيب والقبائل المحاربه. غنمنا الكثير من المواشي وعدنا بعد يومين إلى سان الويس ونحن نسوق 4000 من البقر و120 من الحمير و120 سجينا. لقد تأكدنا أن محاربي الترارزه يموتون من الجوع، وأنهم يتغذون حاليا بثمار وقشور الأشجار والنباتات، وأنهم يقومون بطهي جلود البقر الميت.
في يوم 15 قام فارا بندا ودياديي كومبا بغارة على لمرادين وزمبتي، مما كان له بالغ الأثر على محمد لحبيب لأن القبيلتين من موالاته الخاصة. في يوم 20 أغارت عصابة من تغرجنت على قرية ماكا فاختطفت امرأتين وثلاثة أطفال. وخلال اشتبكات رجال الحي معهم قتلوا واحدا من الزنوج ومات من العصابة 4.
في يوم 6 يونيو حصل قائد كتيبة بودور على أمر بالتوجه إلى امبانام للهجوم على حي محمد سيدي. ومن أجل الإعداد لذلك أخذ معه 450 من رجال الوالو بزعامة فارا بندا، و30 من فلان سان الويس، و130 من رجال سيدي اعلي و150 من المشاة و40 من الخيالة و14 من المدفعيين وآخرين (ما مجموعه 850 رجلا). بعد مسير مضن بسبب ارتفاع درجة الحرارة بشكل لا يطاق، تقدم متطوعو الوالو وبيظان البراكنه أمامنا فوصلوا إلى الحي قبلنا بنصف ساعة ودخلوا في اشتباك عنيف مع مسلحي محمد سيدي الذين كبدوا جماعتنا خسائر فادحة وأرغموهم على الفرار باتجاهنا، فتوقفوا عن ملاحقتهم. وعندما تأكدنا أن المتطوعين من زنوجنا لم يعودوا يتحملون الدخول في اشتباكات جديدة بفعل التعب والحرارة، وتأكدنا أننا لن نربح تلك المعركة، عدنا أدراجنا لكن البيظان لم يستطيعوا ملاحقتنا. وقد اتضح أن متطوعينا الزنوج تركوا وراءهم 23 قتيلا منهم سقطوا على أيدي مقاتلي حي محمد سيدي، فيما جرح منهم 15 مجندا. كما مات من بيننا أحد الخيالين المصابين وواحد من المشاة مات بفعل الحرارة الشديدة. وقدرنا خسارة العدو بـ 20 شخصا من بينهم 3 قادة. ومن بين المتطوعين الذين قتلوا دمبا غوما أخ بالال. كان محاربو أولاد أحمد يدافعون بشراسة عن حي محمد سيدي الذي كان يوجد فيه عند الهجوم الشيخ الكبير الشيخ سيديا. ولعل كل ذلك تضافر ليقود إلى النتيجة السيئة التي حصلنا عليها. في يوم 27 حاولت عصابة من البيظان الاستيلاء على قطيع تابع لإدارة بودور لكننا تمكنا من صدها. في يوم 28 قام شارل ديبار بالتوغل ناحية تنيدر فاستولى على 250 ثورا و12 سجينا. وفي نفس اليوم استولى البيظان على قطيع من بقرنا في جاختين.
في يوم 3 يوليو قام 150 متطوعا من سان الويس بغارة قرب مرينغان فعادوا بـ 50 جملا و40 ثورا من أملاك لبيدات، فيما لم يخسر متطوعونا غير 2 من رجالهم. وقد وقعت الغارة بين امبطار وداره. لكن، في نفس الوقت، تم اختطاف قطعان تابعة لسان الويس من قبل عبيد فارين من الترارزه كنا قد أخذناهم رعاة دون أن نحتاط. وقد سلم العبيد تلك القطعان للترارزه. وكنا قد تابعناهم دون جدوى وفقدنا أحد عناصرنا خلال تلك الرحلة. وفي يوم 3 يوليو قام فارا بندا ودياديي كمبا ورجالهم بغارة على عزونه فعادوا بـ 350 بقرة و4000 رأس من الغنم و32 سجينا. وفي يوم 21 قام 400 من المتطوعين بقيادة التكروري جيبي بغارة على امبل غنموا خلالها 967 بقرة و82 جملا و200 من الغنم و9 حمير و60 سجينا، وقد هرب لبيدات وايدكباجه أمامهم، وفي طريق العودة هزموا تغرجنت وأولاد آكشار ولم يمت من مجموعتنا غير متطوع واحد. في يوم 15 أغشت قام فارا بندا مع 100 من المجندين بالإغارة على محاربين بيظان، فغنموا 400 من الإبل و200 من البقر و12 سجينا، وكاد ملك الترارزه محمد لحبيب وابنه سيدي أن يقعا في الأسر، حتى أن سرج الأمير تم الاستيلاء عليه وفر على ظهر جواد بلا سرج.
وبسبب هذه الغارات والخسائر أصبح عبيد الترارزه يسلمون أنفسهم لنا جماعات وأفرادا، وكل ولوف منطقة كنار على الضفة اليمنى اجتازوا النهر وسكنوا الوالو تحت سيادتنا، أما زوايا الترارزه الذين يموتون جوعا فإنهم يتعمدون الوقوع في الأسر عساهم يحصلون على لقمة عيش.
في نهاية أغشت قام جيبي و315 من متطوعي سان الويس بحملة أمضت نصف شهر بحثا عن عصابة من البيظان تسللت إلى الوالو، ولما علموا أنها اجتازت النهر إلى الضفة اليمنى، اجتازوه ليهجموا على حيين لأولاد بو اعلي وأولاد آكشار الذين دافعوا بحماس عن أملاكهم وأنفسهم. وفي الليلة الموالية تعرض جيبي ورجاله لهجوم قوي من قبل أولاد آكشار وجكباجه ولبيدات، وبعد غد دخلوا في اشتباك عنيف مع تغرجنت على مدى 12 ساعة، وخلال 48 ساعة تمكنت جماعتنا من التصدي لهجمات كل القبائل المحاربة في الكبله. وفي 13 سبتمبر عادوا إلى سان الويس ومعهم 130 سجينا و185 جملا و200 ثور و104 من الحمير و500 من الغنم وكانوا قد قتلوا 50 من البيظان.
في يوم 28 سبتمبر أسر دياديي كومبا 243 شخصا من ضحايا المجاعة كانوا يبحثون عما يسدون به الرمق قرب النهر. وفي اكتوبر تمكن بوبكر اندومبي من الاستيلاء على 30 ثورا لقبيلة لمرادين بعد أن قتلت جماعته ابن زعيمها وأسرت منهم 65 رجلا. في نوفمبر قاد فارا بندا وداديي كومبا عدة غارات على الترارزه المحبطين فأسّروا منهم ما مجموعه 500 سجين.
في شهر دجمبر اقترب الترارزه من النهر تحت ضغط المجاعة، وحاولوا القيام ببعض الأعمال العدائية، فقتلوا صيادين قرب امبكم واختطفوا 3 نساء من قرية جاور و100 ثور من قرية ابرن و15 بقرة من شار. وتم صدهم بعد أن خسروا 4 من رجالهم.
في هذه الأثناء قام خيالتنا بجولة قرب بحيرة كايار فاختطفوا من حي لمرادين 800 سجين و1000 ثور و600 من الغنم. وفي هذه الظروف سلمت قبيلة أولاد بو اعلي نفسها لنا ووالتنا لتقطن على الضفة اليسرى عند ماكا.
في يوم 5 دجمبر فاجأ مسلحو الترارزه خمسة من عمالنا وهم نائمون بعد يوم شاق كانوا يبحثون فيه عن الخشب، فقتلوهم أو اختطفوهم. أرسلنا عدة دوريات للبحث عنهم دون جدوى. في يوم 29 التقت دورية لنا بعصابة من تغرجنت كانت قد اجتازت النهر فاشتبكت معهم وقتلت 5 منهم وجرحت 3 وهرب البقية. في يوم 30 من نفس الشهر قام 30 من الخيالة بقيادة تورو بولي وراماتا و300 من رجال الوالو بالإغارة على حي تغرجنت داخل بلاد الترارزه فأحرقوا الحي وعادوا معهم بـ 30 طفلا. في نفس الأثناء قام 300 من متطوعي سان الويس بقيادة صمبه انغوم وجيبي بحرق حي أولاد آكشار على بعد 3 مراحل من النهر وغنموا منهم بعض المواشي و16 سجينا. أما حمزة، مع 50 من أولاد بو اعلي و100 من المتطوعين، فقام بغارة على أحياء البيظان قرب دكانه، على الضفة اليمنى، وعاد، بعد أن لقي منهم دفاعا مستميتا، غانما 100 بقرة و40 سجينا.
وعندما وجدت إحدى قبائل تندغه نفسها غير آمنة إطلاقا من غارات ونهب المتطوعين، اتصلت بنا وسلمت نفسها وتوطنت قرب سان الويس.
في شهر يناير 1957 كانت الخسائر المتلاحقة التي يتكبدها التروزيون محل تثبيط حقيقي لعزائمهم، بل ان شائعات بدأت تروج مفادها أن أولاد دمان وغرماءهم يريدون الانفصال عن الترارزه، ويقال ان محمد لحبيب يبحث فعليا عن السلام مع فرنسا إلا أن كرامته تمنعه من طلب السلام رغم أن الزوايا يستجدونه أن يقوم بمبادرة طلب السلام من فرنسا، لكنهم لا يجدون منه إلا الإذن لهم هم بطلب السلام من فرنسا لأنفسهم. وبسبب إلحاحهم على إدارة سان الويس منحناهم نوعا من الهدنة دون أن يكون ملك الترارزه ومحاربوه معنيين بذلك. وبسبب هذا التصالح بين الإدارة الفرنسية والزوايا وقعت أحداث عنيفة بين الزوايا الذين يأتون بقوافلهم لبيع العلك في دكانه والمحاربين الذين يريدون منعهم من ذلك، حتى أن بعض الزوايا تعرضوا لمذابح فظيعة على خلفية محاولاتهم التعامل مع الفرنسيين، وبترت أعضاء بعضهم. وفي هذا السياق وضعنا اليد على 3 من زمبتي ناصبين كمينا على طريق دكانه في محاولة لاعتقال قافلة زوايا تريد بيع علكها هناك، فأعدمناهم رميا بالرصاص.
هذه الهدنة، بين فرنسا والزوايا، والتي بدت للكثيرين كخطوة أولى نحو السلام الشامل، اتخذت مسارا آخر، فمحمد لحبيب لم يستسغ استعداد فرنسا للتجارة مع أتباعه دون مشاركته، خاصة لما علم أن السلطات المحلية، ومن أجل معاقبته على عناده، لديها نية إلغاء الضرائب التي كان ملوك البيظان يأخذون عن تجارة العلك.
ومن أجل أن يثأر منا، وكي يبرهن أن تجارة العلك مستحيلة دون حمايته هو، وبغية أن يحصل على شروط أفضل للسلام مع فرنسا، يريد محمد لحبيب أن يختبر عملا كبيرا ضدنا، لذلك جمع أمراء وأعيان وأتباع قبيلته واستجداهم أن يساعدوه بجد ضد فرنسا وأن يتحلوا بما يتطلبه ذلك من شجاعة. وكان أول ما قام به أن بعث ملك البراكنه محمد سيدي إلى ملك فوته الألمامي محمدو ليقنعه بالدخول معهم في حلف ضد فرنسا. وكان الألمامي والأمير لام تورو، أحمد، الوحيدين غير البعيدين من قبول مثل هذا الاقتراح. غير أن فوته كلها اعترضت على المقترح. فبدأ ملك الترارزه يجمع كل قواه وطاقاته ليدفع بكل أهل الكبله في هجوم شامل على الوالو رغم أن المسلحين التابعين لفارا بندا وادياديي كومبا كانوا متماسكين ومصرين أكثر على الدفاع عن حوزتهم. وهكذا تردد أهل الكبله كثيرا في اجتياز النهر.
في شهر ابريل بدأ الترارزه في هجماتهم المتفرقة، فتم إطلاق النار على كتيبة ابرين، في وقت اجتازت فيه النهر، بين جاور وخان، عصابة من الترارزه تقدر بـ 400 مسلح، تمكنوا من قتل 7 من عناصرنا في جزيرة غييلاند وأحرقوا عشوائيا كل ما وجدوه في قرى نيت وفوس ونايري. ولما علموا أن فيلق النقيب رومان ومجندي فارا بندا وداديي كومبا في طريقهم لمواجهتهم اجتازوا النهر إلى الضفة اليمنى ومعهم 8 أسرى منا.
غير أن الحدث الأبرز في هذه الأثناء هو الخطأ الكبير الذي دفع متطوعونا ثمنه باهظا. لقد أراد فارا بندا أن يهاجم لمرادين شمال بحيرة كايار. وبدلا من 1000 متطوع التي كان يسعى لجمعها، لم يتمكن من الحصول إلا على 300 متطوع من بينهم 160 من فرسان الوالو، و100 من تكارير سان الويس، وانطلق الجميع في مهاجمة مخيم كبير لقبيلة لمرادين، وبدأوا في عملية خطف المواشي وأسر الرجال، وبدلا من العودة بغنيمتهم حداهم الأمل في زيادة الغنيمة من أحياء أخرى. كان رجال لمرادين في الحي الذي تعرض للهجوم يترنحون ويتباطأون متلاعبين بمتطوعينا في انتظار قدوم مدد من محاربي البيظان لم يكن بعيدا. وصلت تعزيزات البيظان على الخيل والجمال فهرب المتطوعون واستطاع بعضهم الوصول إلى النهر خاصة الفرسان، لكن التكارير أبيدوا أو أبيد أغلبهم على يد فرسان الترارزه، واعتقل البيظان بعضهم وبدأوا يمرحون ويرقصون وهم يُقـَـطــّـعونهم إربا إربا على الشكل الذي يبثون به الرعب عادة في قلوب الزنوج.
كان للسلام مع الزوايا علاقة بكل هذه الأحداث المأساوية لأنه مكن الترارزه من الحصول على حشد من الجواسيس المندسين فينا. وبسبب التأثير السلبي لهذه الأحداث كان لابد من التوجه مع الزنوج إلى البيظان لمقاتلتهم على ميدان انتصارهم الأخير بغية إعادة الثقة لحلفائنا. (يتواصل).
ملاحظة:جميع المعلومات الواردة في هذه الزاوية منقولة مباشرة من المصادر الاستعمارية فهي كتابة للتاريخ من زاوية واحدة ومن وجهة نظر الغالب لذا وجب التنبيه
هناك 3 تعليقات:
أريد أن أشارك شهادة من حياتي إلى كل واحد. أنا تزوجت من زوجي ، وأنا أحبه كثيرا و كنا متزوجين لمدة 5 سنوات حتى الآن مع اثنين من الاطفال . عندما ذهب لقضاء عطلة في فرنسا كان يقصد سيدة الذين encharm له مع جمالها ، وقال لي انه لم يعد مهتما في الزواج أكثر من ذلك. لقد كان ذلك الخلط والسعي للحصول على مساعدة ، وأنا لا أعرف ماذا أفعل حتى شكوت لصديقي و أخبرها عن مشكلتي. قالت لي لا داعي للقلق حول هذا الموضوع أن لديها مشكلة مماثلة قبل و يعرفني على رجل يدعى الدكتور Saibaba . الذي يلقي ظلالا على زوجها السابق و اعادته لها بعد 2DAYS . وقالت انها تطلب مني أن اتصل الدكتور Saibaba . أنا اتصلت به لمساعدتي في اعادة زوجي وانه لا تسألني ما يدعو للقلق أن آلهة له الصدارة الآباء سيقاتل بالنسبة لي. قال لي قبل يومين انه سوف إعادة توحيد لي وزوجي معا. بعد يومين دعا زوجي و قال لي انه يعود الى سعى الأمور معي، و كان مفاجأة عندما رأيته و بدأ البكاء الصفح وأنه لم يعرف ما جاء الله عليه وسلم أنه لن تترك لي مرة أخرى أو الأطفال. الحق الآن أنا أسعد امرأة على وجه الأرض ل ما هذا الإملائي عجلة كبيرة لم بالنسبة لي وزوجي ، يمكنك الاتصال الدكتور Saibaba على أي مشكلة ، وقال انه هو لطيف جدا ، وهنا هو اتصالاته templesaibaba@yahoo.com
اسمي لوسي أندرو أتمنى لتبادل شهادات بلدي مع الجمهور حول ما يسمى doctoridegu هذا الرجل لم يفعل فقط بالنسبة لي، فقد أعادت لي فقدت السابق صبي صديق لي معه موجة كبيرة، ولقد عرفت جون منذ سنوات و كنا معا لفترة طويلة، ونحن نحب بعضنا البعض ولكن فجأة قال لي انه لا يمكن أن يستمر بعد الآن، وكنت قلقا جدا في حالة من الاضطرابات بعد ذلك كنت أبحث عن طرق للحصول عليه مرة أخرى حتى صديق أخبرني عن هذا الرجل وأعطى البريد الإلكتروني اتصالاته لي ولكن كنت ما زلت في شك ولكن لدي فقط لمحاولة منذ كنت بحاجة بلدي السابقين حقا لذلك أنا اتصلت به على مشاكلي، وسوف لا أعتقد أنه كان يستعد هذا نوبة و جلبت بلدي السابقين عاشق الظهر واليوم نحن سعداء جدا معا وشكرا لكم مرة أخرى على ما drideguspellcast@gmail.com قمتم به بالنسبة لي، إذا كنت هناك تمر عبر أي من هذه المشاكل المذكورة أدناه:
1) إذا كنت تريد ظهرك السابقين.
(2) إذا كان لديك دائما أحلام سيئة.
(3) هل تريد أن تكون ترقيته في مكتبك.
(4) إذا كنت تريد طفلا.
(5) إذا كنت بحاجة إلى المساعدة المالية.
(6) إذا كنت تعاني من ح ط الخامس.
الاتصال به الآن لحل فوري من أي نوع من
مشاكل البريد الإلكتروني drideguspellcast@gmail.com
اسمي لوسي أندرو أتمنى لتبادل شهادات بلدي مع الجمهور حول ما يسمى doctoridegu هذا الرجل لم يفعل فقط بالنسبة لي، فقد أعادت لي فقدت السابق صبي صديق لي معه موجة كبيرة، ولقد عرفت جون منذ سنوات و كنا معا لفترة طويلة، ونحن نحب بعضنا البعض ولكن فجأة قال لي انه لا يمكن أن يستمر بعد الآن، وكنت قلقا جدا في حالة من الاضطرابات بعد ذلك كنت أبحث عن طرق للحصول عليه مرة أخرى حتى صديق أخبرني عن هذا الرجل وأعطى البريد الإلكتروني اتصالاته لي ولكن كنت ما زلت في شك ولكن لدي فقط لمحاولة منذ كنت بحاجة بلدي السابقين حقا لذلك أنا اتصلت به على مشاكلي، وسوف لا أعتقد أنه كان يستعد هذا نوبة و جلبت بلدي السابقين عاشق الظهر واليوم نحن سعداء جدا معا وشكرا لكم مرة أخرى على ما drideguspellcast@gmail.com قمتم به بالنسبة لي، إذا كنت هناك تمر عبر أي من هذه المشاكل المذكورة أدناه:
1) إذا كنت تريد ظهرك السابقين.
(2) إذا كان لديك دائما أحلام سيئة.
(3) هل تريد أن تكون ترقيته في مكتبك.
(4) إذا كنت تريد طفلا.
(5) إذا كنت بحاجة إلى المساعدة المالية.
(6) إذا كنت تعاني من ح ط الخامس.
الاتصال به الآن لحل فوري من أي نوع من
مشاكل البريد الإلكتروني drideguspellcast@gmail.com
إرسال تعليق