اشتهر
هذا الطائر بحسن الصوت و منه جاء لقب الفنان المصري عبد الحليم حافظ باسم "
العندليب الأسمر"... يعرف هذا الطائر في الثقافة التراثية المحلية باسم
(انديمه).. عند بعضهم أو هو مساعدها الذي ليس له من دور في عملها سوى تنبيه المارة
عليها.. فعندما تبدأ انديمه في خرق جذع شجرة بحثا عن الديدان التي تتغذى عليها يحط
العندليب بجانبها و لكنه يختفي في مكان ما من الشجرة و يبدأ في التطريب, فتتطلع
الناس إلى ذلك الصوت الشجي.. و يرغمون الطائر العامل على ترك ورشته التي قطع فيها
مراحل..
و قديما
تيمَن الموريتانيون بهذا الطائر المغرد الذي يظن بعضهم أنه انديمه حتى قالوا فيه:
و من غنت
في وجهه تنديمه فرح في الخلا و عند الخيمه.
و لا
تقتصر طرافة العندليب على ذلك فهو طائر كسول و محب للسَفاد.. لكنه عندما يريد عملية
التزاوج و ينتهي من مغازلة أنثاه التي ترغمه دائما على احتضان البيض حتى يفقس,
يبحث زوج العناديل عن قبرة تصنع له عشه.. و القبرة هي هذا الطائر ذو اللون الأصفر(
هل هو من طائفة الصفرية من الخوارج؟ أو هو من بني الأصفر الذي هزمهم المسلمون في
مرج راهط؟ ), المهم أنه هو الذي يخاطبه الشاعر الجاهلي الشاب طرفة بن العبد بقوله:
يالك من
قبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي و
اصفري
و نقري
ما شئت أن تنقري لا بد من صيدك يوما
فاصبري
لاحظ لي
مرة صديقي, المغفري, بوها ولد معيوف أن القبرة طائر بناء ذو يد صناع..فهو الذي
يبني عش العناديل عند ما تريد التزاوج.. فيقوم بالبحث عن العشب الطري و يبدأ في
نسج العش بطريقة فنية بديعة.. حيث يكون العش في مكان غير معرض للأمطار و تكون فتحته
معاكسة لجهة هبوب الرياح.. بيد أنه يكون في منطقة اهتزاز الأغصان.. فقد وصف العش
الشاعر الأموي ( الأسطورة) قيس بن الملوح عندما أراد الحديث عن نبضات قلبه بقوله:
كأن
القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية
أو يراح
قطاة
غرها شرك فباتت تجاذبه و قد علق الجناح
لها
فرخان قد تركا بوكر على غصن
تهزهزه الرياح......
تستمر
القبرة في لي أغصان العشب الطري حتى ينتهي
العش و يكون كافيا لإيواء زوج العناديل فيتركهما لتضع الأنثى بيضها و تترك الذكر
يحتضنه حتى يفقس و يتعلم الطيران.. عند ذلك تعود القبرة إلى العش فتفككه... و
تذهب..!
لم يعرف
صديقي الأجر الذي تتقاضاه القبرة على هذا العمل الرائع و الذي يمكن أن يوصف ب(
الإنساني).
ذكرني
صمت زوج العناديل أثناء تشييد العش في تلك الغابة التي تمتلئ بأصوات الطيور
المغردة بما يتأبى على بتهوفن و موزار و زرياب... الذي أخذ ربما اسمه من هنا...
ذكرني ذلك بالحصار الذي فرض على أصوات شجية مع عيشا صانكَاري و محمد آغ عمر
المعروف ب ( أمومو).. و آخرين ممن ترددت أصواتهم في غابة واغدو و آكَلهوك من ذلك
الربع الكيدالي...
كما
ذكرني تخريب القبرة للعش بالفساد الذي عاثته أيادي الكَزونوفوبيين الفرانكوـ
الماليين في مكتبات تومبكتو حيث كانت مكتبة أحمد بابا أولى ضحاياها..
و الآن,
و قد رفع الحصار عن عناديل الشمال المالي و بقوا صادحين في بحور الرمال المتحركة,
هل يتذكرون الدرس اللافونتيني الذي لقنته النملة للصرصور عند ما جاءها مقترضا بعض
الزاد فسالته: " و ما ذا كنت تفعل في زمن الخصب؟ فقال لها: " كنت أغني!
فقالت له: " إذا.. ارقص الآن...."
شفيق البدوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق