24 أبريل 2017

من كرامات الولي باب ولد أبنو

وُرق الحمائم مذ غنتْ بأغصان ـــــــ  بانٍ تعلقتُ وجدا بابنة البانِ
البانُ هدم صبري ميسه و بنى  ـــــــ   شجوي فلله هذا الهادم الباني...
بيتان من قطعة مشهورة للشاعر الكبير محمد ولد أبنو ولد إحميدن الشقروي.. حفظتهما بطريقة مُكسرة و أنا في الثامنة، ذات مجلس طرب استرقتُ فيه السمع، و أنا مع مجموعة من أترابي أمام خيمة أهل الإمام بن الشيخ أحمد حيث كان ذالك الرجل الأربعيني الوسيم ذو اللون الذهبي الذي تزيد من بريقه و تلألئه طلائع شيب بدأت تتسلل بحياء إلى لحيته الكثة التي لم تشكل النشاز مع لمته السوداء التي لم تسلم هي الأخرى من ذلك الشيب المهيب...
أدركتُ في تلك الليلة المقمرة من أواخر سنة 1968 أن ذلك الرجل هو باب بن أحمدو ولد أبنو بن المختار بن أحمد سهله بن محمذن بن عبد الله بن أتفاغ حيبلل بن أعمر بن أبوبكْ...

كنتُ أحفظ هذا النسب عن أبي، رحمه الله، و لكنني عرفتُ من والدتي في صباح اليوم الموالي أن للرجل بعض الكرامات و الخوارق.. و أن أمه تلك المرأة الفاضلة المكِبوله بنت امبيريك التي ينتهي نسبها إلى من أخبر الإمام ناصر الدين أنه يصلي في قبره.. أحمد أكِذ المختار الجد الجامع للبطن الكرام أبناء حبين... الذين يقول فيهم القائل:
لأبناء حُبيني الكرام السماذع ـــــــ بجرعاء للإغلاف القديم مرابعُ
كانت للمكِبوله التي تُكنى ب " إدكِاه" خوارق كثيرة و كرامات غريبة..
حدثني باب نفسه أنه عندما بلغ العشرين من عُمُره.. لاحظ أن أترابه صاروا يذهبون إلى { كِبلت لبحرْ} أي السنغال.. و يعودون بالثياب الجميلة و العطور الفواحة.. فقال لأمه التي يكاد يكون وحيدها.. إنه يريد أن يذهب إلى السنغال كما فعل صديقة المزضف ولد إندهي و البار ولد محمد ولد إمبيريك، رحمهما الله.. فقالت له إنه لا يمكن أن يذهب عنها لأن خيمتها ستبقى ضحية عبث الحيوانات السائبة في الليل من أبقار و أغنام.. فقال لها إنه سيحيط خيمتها بحظيرة كثيفة إذا كانت ستتركه يذهب إلى حيث ذهب أصدقاؤه.. فوافقت على ذلك...
أخذ الابن البار لأمه باب يقطع من الأشجار الضخمة و يحيط بها الخيمة.. دامت العملية عدة أيام.. و في مساء آخر يوم.. جاء باب يزجي خلفه شحرة عظيمة هي التي ستكون وصاد باب الدخول{ تاشورت}.. فقالت الولية ادكِاه لنسوة كن يجلسن معها: " لله ما أعظم ما جاء به باب".. فقلن لها: " تعنين هذه الشجرة؟" فقالت: "بل أعني ما سيأتي به من غيبته التي يعتزمها إلى السنغال..."..
بعد أيام كان باب في العاصمة السنغالية داكار مع بعض بني عمومته و هم يطلعونه على معالم المدينة عندما توقف بجانبهم رجل لبناني في سيارته.. حياهم.. تعرف عليه بعضهم.. إنه صاحب أكبر المخابز في العاصمة السنغالية.. خص اللبناني باب بالسلام.. و سأله إن كان يريد العمل في بيع الخبز.. فرد عليه بأنفة من يحتقر أهل المال و عبدة المال بقوله: " نعم.. أحب العمل في المخابز لكن ما تنجه مخابزك  لا يكفي زبنائي!" تعجب اللبناني من ذلك.. و قال له و هو ينزل من سيارته و يجذبه من يده: " كم يكفي زبناءك.. ؟" فقال له الكثير الكثير.. فقال له: " هيا معي إلى مكان العمل لنناقش طلبك.."
لم يرد الشيخ باب أن يذهب معه.. و لكنه ضرب معه موعدا للغد في ذات المكان و ذات التوقيت..
لم يواصل باب نزهته مع أصدقائه و إنما اتصل في تلك الليلة بكل معارفه من تلامذة الولية أمه.. و طلب منهم أن يتعهدوا له بأخذ حاجة متاجرهم من الخبز لديه.. فوافقوا على ذلك..
عندما التقى مع مُشغله المشرقي في الموعد.. و أعرب له عن حاجته من الخبز اقتطع له مُخصصا شهريا يساوي أربع مرات ما يتقاضاه نظراؤه الكُثر في هذه المهنة، و سخر له سيارة لنقل الخبز إلى المتاجر .. مرت الأشهر بعد الأشهر.. كان خلالها الشيخ يدخر من المال لقضاء عطلته السنوية مع أمه التي اشتاق إليها.. و عندما حان شهر الإجازة إذا باللبناني يطلب منه أن يلغي تلك الإجازة لهذه السنة مقابل راتبين اثنين لمدة شهر واحد.. فوافق على مضض.. و عندما حانت الإجازة الثانية تقدم  له بذات الطلب فرفض.. و لكنه ترك معه أحد أبناء عمومته.. و عاد إلى " إذراع"... حدثني باب قال: " عندما وصلت الأهل عند المحرد أمضيت شهرا كاملا و أنا أوزع الهدايا و الحاجات على الأسرة دون أن ينفد ما قدمتُ به...
دأب على ذلك العمل لمدة أعوام.. و تعرف في المهجر على رجال من أبناء الشيخ سعد أبيه.. فألفهم و ألفوه.. و تتلمذ في الطريقة القادرية على الشيخ الطالب بوي.. فأخذ عنه علم الأوفاق.. و برع فيه... بدأت الخوارق تظهر على يديه.. ابتداء ن قصة الغنم و الذئاب .. و كان محبا للطرب.. و المظهر الجميل و المطايا العتاق..
حدثني المرحوم إعلي ولد بتانه، من قبيلة الرحاحله.. قال: " جمعني مجلس في إحدى الليالي مع باب ولد أبنو و كان لي جمل بذ نظراءه في السباق.. فبدأ الرجال يساومون شراءه مني.. منه من تقدم بعرض من جملين و من تقدم بعرض من ناقة و ابن لبون و من تقدم بقطيع من الغنم... حتى تكلم باب فقال لي: " قُل لنا بكم تبيع جملك هذا.. و سنشتريه منك مهما كلف ذلك.." فقلتُ له: " أبيعه بصلاح الدارين و النصر والغنى..." فقال لي: " أبسط يدك.. فقد اشتريته منك".. سلمته خُطام الجمل برحله.. و في الصباح اشتريت جملا آخر و عدتُ إلى أهلي... و مرت سنوات و كنتُ ليلة أغذ السير في الظلام على جمل آخر في منطقة كثيرة الأشجار جنوبي اركيز.. حتى ضربني غصن شائك من الطلح على العين.. فأصابتني منه شوكة في ملتقى سواد العين و بياضها... و انكسر بعض منها هناك.. حاولت العلاج التقليدي.. دون جدوى.. عند ذلك قررت التوجه إلى دكار من أجل علاجها.. جئت أحد المستشفيات.. فكشفوا عن الشوكة فوجدوها قرب سواد العين.. و قالوا إن نزعها يستدعي عملية جراحية معقدة في العين.. و أعطوني بعض المهدئات  أتناولها ريثما تتم برمجة العملية... و في ذات المساء التقيت بالشيخ باب مع جماعة من أصدقائه قرب مرآب المطافئ " ابومبيي" في دكار.. فلاحظ أنني أغطي عيني بالرداء .. فسألني عما بي فأخبرته الخبر بالتفصيل... فعمد إلى أوراق المستشفى و مزقها و أخذ الدواء من يدي و رمى به قائلا: " عينك أنا أقوم بعملية جراحية لها على كثيب { غانب} " مكان يقع على بعد حوالي 30 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة اركيز..
عرض عليَ بعض المال أستعين به على السفر..فرفضتُ أخذه منه.. و عدتُ إلى أهلي.. و أمضيتُ أياما.. فخرجتُ ضحى على إثر نوق.. و كان ذلك بداية موسم الأمطار..فوجدت النوق على كثيب غانب و هي ترعى في شجر ناضر.. فآويت إلى ظل شجرة.. و أخذت سبحتي.. و فجأة أحسستُ بحكة في جفني الأسفل.. فأمررتُ سبابتي تحت الجفن الأسفل بلطفٍ.. فكانت مفاجأتي عندما رأيت بعض القيح يسيل من العين و فيه سوادُ .. فأخذت ذلك السواد و تأكدت منه فإذا هو الشوكة قد خرجت.. فهرعت إلى البيت .. و الماء يتصبب من عيني.. فقال نسوة الحي إن ذلك ماء العين قد خرج و هذا مؤشر على فقدان الإبصار من تلك العين...فجزعت من قولهن و ذهبت إلى المرحوم محمد ولد إباه ولد باب ولد أحمد بيبه و هو عند تيشطيات أهل الخراشي.. و أخبرته بقصتي مع باب ولد أبنو.. فأخذ جرعة من اليوروميسين 1%  و أدخلها في العين و طلب مني أن أغمضها.. فاضجعت.. ونمتُ.. و كان الوقت مساء.. فنزل المطر من الليل.. فاستيقظتُ على الرعد و البرق.. ففتحت عيني التي كانت تؤلمني فإذا بي أبصر منها.. فأغمضت عيني السليمة لأتأكد من الرؤية بالأخرى فإذا بها أحسن رؤية من السليمة.. فعدت إلى أهلي.. و ما زالت تلك العين أقوى إبصارا و كأنها لم تصب قط..."
سمعت هذه القصة من إعلي عدة مرات.. و حدث بها أحمدو ولد باب ولد أبنو و أنا حاضر.. فلم يختلف سرده لها في شيء...
و حدثني نجله، أخي العزيز المصطف أنه كان يدرس في الثانوية الوطنية و يسكن في مقاطعة الميناء.. فكان في بعض الأيام يسلك طريق الكثبان الذي يمر قرب الجامع المغربي فقال لي: " لم أذهب يوما عبر هذا الطريق دون فطور إلا وجدت بعض المال في ذلك الرمل أصرفه للفطور و أجرة التاكسي.."
هذه شذرات من كرامات هذا الولي الصالح أسوقها هنا اليوم و للحديث بقية...  


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

وخيرت