يحكى في
هذه الربوع من بلاد (الربع الخالي).. إلا من الحفاوة و الكرم و الإباء و الشهامة..
هذه البلاد التي قيل عنها يوما إنها بلاد "أهل العلم و الإنكار و الجدل و
الجداول و الأسحار".. هذه البلاد التي قيل عنها إنها: " فساحل
يسبحان..... حسن الخلق ؤ بيظان... و أهل تعرف لحسان.... ؤ فيه الوذنين اتعيش.....
امن اللهو ؤ حسان..... أل فيه ابلا طيش...... ؤ فيه ازبار ؤ فردان..... إنيمش و
اندميش.... ؤ فيه إكِرون الفرنان..... ؤ فيه آدرس ؤ فيه أيش......"
بلاد
كانت يوما مَا بلاد الأمراء و الوزراء و الصلحاء و الوجهاء و الخلطاء و النقباء...
بلاد
النَعَم و الشاء خلال مروج آفطوط الساحلي و سهوب شمامه و أوهاد برويت و أنجاد
لخشومه..
بلاد
السرحان و الخنزير البري... حيث منابت تاره و اجَقَار و لكِليه و " وادي
الأراك و وادي السفا
في هذه
البلاد التي يرتع فيها البقر ناصع البياض, طويل الروق " كسفود الشرب نسوه عند
مفتأد" إلى جانب البقر الأحمر و الضأن الأبتر و ال( البحر) الأخضر! و الصمغ
الأوفر و الزرع الأكثر و الجمل الأوبر.. " في أوبارها اللبد" عندما وهبت
المائة المعكاء يوما للنابغة الذبياني...
عاشت
قبيلتان من أهل الشوكة.. هل هما من جران و بران؟ أم من طسم و جديس.. تعارفتا و
تعايشتا و اختلطتا و تواشجتا و تآلفتا.. شعوبا و قبيلة واحدة... فكانوا أهل "
الأعلام السبعة"..
احتربت
القبيلتان و تهادنتا.. و اصطلحتا.. و احتربتا و دارت الدائرة على إحداهما... و
اصطلحتا.. و كانت تلك سجية باقية في عقبهما..
لم تعد الحرب تؤثر على علاقات القبيلتين..
و مرت
الأيام.. و الليالي.. و في يوم من الأيام استجدَ الخلاف بينهما.. الخلاف هذه المرة
من نوع خاص.. لقد وصل درجة أن رعاة الحيين لم يعودا يتبادلان التحايا.. لم تعد
تيوس إحداهما تغازل ماعز الأخرى.. و من الغريب أن ما يثير نباح كلاب إحدى
القبيلتين لم يعد يثير نباح كلاب القبيلة الأخرى..
دامت
القطيعة بين الحيين أياما و شهورا و أعواما... حتى صارت متوارثة صاغرا عن كابر..
أصر
الأمير في المنطقة على أن يقوم بمساع حميدة بين القبيلتين..
ضرب خيمة
كبيرة بين الحيين.. أرسل جنوده من أجل استدعاء ممثلي الحيين إلى (قصر المؤتمرات)..
حضر
الرجال بزيهم التقليدي: الفضفاضة الغليظة و السراويل المسترسلة تحت القميص ذي
الأيدي الطويلة و القلنسوة الحمراء الداكنة.. مع العصا معكوفة الرأس.. و الخفين الأبيضين
أو الأصفرين اللتين تضفيان على محتذيهما صفة ( الحاج).. و لو لم يحج قط..
جاءت
إحدى الجماعتين من الشرق و جلست في الجانب الشرقي من الخيمة و كان الوقت صباحا و
لكنها مع ذلك تدير ظهرها للمجموعة الأخرى التي جاءت من الغرب و جلست في الجانب
الغربي من الخيمة و ولت الشرقيين أظهرها..
لا سلام
و لا تحية, بطبيعة الحال بين الفريقين ( المفاوضين)..
ذبحت
الثيران و الكِباش.. و أحضر البطاطس الحلو و اعدت الموائد على وقع الطبول و
الناي..
.. أكلت
حاشية الأمير و أكل الفضوليون و الطفيليون.. و تناول الأمير بعض الأطايب مع جماعته
الضيقة و بعض خاصته..
لم يجب
المفاوضون دعوة الجفلى و لم يستجيبوا للنقرى..
صمت مطبق
يسود في جانبي الخيمتين خاصة عندما سأل الأمير عن سبب هذه الوحشة بين القبيلتين..
طال
انتظار الأمير و هو يطرح سؤاله مؤنبا تارة و مرهَبا أخرى و مرغبا عدة مرات.. دون
أن يجد أدنى جواب..
يتبع....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق