يحكى في هذه الربوع من صحراء الملثمين عن إحدى النساء أنها تزوجت من رجل( تنقصه عركة), و هي عبارة تطلق على الجلد الذي لم تكتمل دباغته جيدا.... و كانت المرأة في منتهى الذكاء و الحلم و القناعة....
مكث الرجل زمنا طويلا وهو يجلس في البيت بدون عمل, و كانت زوجته أثناء ذلك تجمع عيدان الثمام و تدبغ الجلود و تنسج... حتى أعدت حصيرا متوسطا. فقالت لزوجها: " ما رأيك في هذا الحصير؟ " فرد عليها: " حصير جيد نضيفه لأثاث منزلنا".... فردت عليه : " نعم! هذه فكرة جيدة.. و لمنني أرى غير ذلك, أرى أن تذهب أنت بهذا الحصير فتبيعه و تتاجر بثمنه.. " فقبل ذلك و أخذ الحصير ليبيعه و ما كاد يصل أول سوق حتى باع الحصير مقابل تيس فحل.. وذهب عائدا بالتيس إلى أهله و في الطريق وجد قافلة.. فعرضوا عليه أن يبيعهم التيس فقبل ذلك مقابل حمار.. فأخذ الحمار و ترك لهم التيس و ركب حماره و أخذ طريق العودة إلى أهله.. و في الطريق مر على حي فنزل عند إحدى الأسر و ترك الحمار و نام .. و في الصباح ذهب ليحضر حماره فلما عاد به عرض عليه أحدهم بيع الحمار مقابل ديك جميل ذي عرف أحمر و صياح جميل.. فقبل ذلك.. و حمل الديك و ذهب به ليمر على بعض الرعاة فقاوضهم الديك بكلب.. و أعطوه ربقة الكلب و أخذ يقوده في طريق العودة حتى مر على حي آخر من البداة فعرضوا عليه بيع الكلب مقابل جلد خروف فقبل ذلك.. و أخذ الجلد و أخذ طريق العودة و أثناء ذلك وجد نسوة فاشترين منه الجلد بإبرة.. فأخذ الإبرة و طريق العودة.. و في الطريق أبصر أضاة فدخلها ليشرب و يغتسل... فسقطت منه الإبرة في الأضاة.....
و وصل إلى أهله فرحبت به زوجته و سألته عن بيع الحصير.. فقال لها إنه باعه مقابل تيس فسرت لذلك و قالت له: " نعم الرأي.. فالتيس و إن كان لا يحلب فهو ذو قيمة معنوية كبيرة و في ماء الفحل من الأجر ما لا يعد .. فقال لها إنه باع التيس مقابل حمار.. فأثنت عليه و قالت إن الحمار له فوائد كثيرة.. فهو ضروري لحمل المتاع و لحمل آلات السقي.. فقال لزوجته المسرورة باقتناء الحمار.. إنني قد بعته هو الآخر مقابل ديك.. فقالت نعم القنية الديك, فهو يوقظك للصلاة و يمكن أن تذبحه لقراء ضيف... فقال لها إنه باع الديك أيضا بكلب.. فقالت عن ذلك إنه في منتهى الروعة.. فالكلب حارس أمين لكل الحي و لأغنامه... فقال لها إنه باع الكلب بجلد... فقالت إن الجلد له فوائد كبيرة و يكفي أنه يدخل في صناعة الحصير الذي هو الأصل في هذه التجارة( الرابحة)... فقال إنه باع الجلد مقابل إبرة.. فقالت له إن الإبرة كثيرة المنافع و يمكنها ا
أن تجر لهم من الفوائة ما هو اهم من كل هذه البضاعة التي ذكرها في السابق.... فقال الرجل: " .. و لكن الإبرة ضاعت مني إذ سقطت في الأضاة ..." فقالت له: " الحمد لله إذ لم تسقط أنت في الأضاة..." ... و أخذت في صنع حصير آخر......
شفيق البدوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق