يبدو
أن السفن والإدارة الإسبانية لم تجد لها عزاء منذ التوقيع على بروتوكول الصيد بين
موريتانيا والاتحاد الأوروبي في يوليو 2012، وهو البروتوكول الذي يستثني السفن
الأوروبية لـ "صيد الرخويات".
فقد
بدأت إسبانيا تعبئة قواتها من أجل إجبار انواكشوط على قبول صيغة جديدة لها. في
مرحلة أولى تم تحريك اللوبي الموريتاني الذي يتضمن منتخبين وموظفين سامين، لتمرير
رسائلها بعناية. ثم جاء دور دبلوماسيين كبار عارفين جدا بالشأن الموريتاني.
وأخيرا، تم إيفاد عدد من الوزراء الإسبان إلى نواكشوط. عبثا. لا شيء يمكن أن يلين
الموقف الموريتاني.
بعد
كل هذه الإخفاقات، أقحمت مدريد النائب في البرلمان الأوروبي ماتو، رئيس لجنة الصيد
في البرلمان، في المعركة النهائية. وهكذا رفضت هذه اللجنة البروتوكول، يوم 29 مايو
2013، بعد أن صوّت 13 عضوا ضدّه مقابل 9 أعضاء. لم يكن الأمر مفاجئا؛ حيث إن
اللجنة تضم، إلى جانب رئيسها، 6 مواطنين إسبانيين.
في
أعقاب هذا التصويت تقدّم السيد ماتو بتوصيات من شأنها إنقاذ البروتوكول، وذلك في رسالة
وجّهها إلى المفوض داماناكي وتم تداولها على نطاق واسع من قبَل مُلّاك السفن. ولم
يتطرق السيد ماتو، أبدا، لمصالح الصيادين الموريتانيين، كما أن مرافعته، وهذا هو الأخطر
بالنسبة لنائب أوروبي مثله، لم تهتم إطلاقا إلا بما يشغل بال ملّاك السفن الإسبانية.
فلم تصدر عنه أي كلمة عن صيد الأعماق المجمد الذي يشكل، رغم ذلك، الجزء الأهم من
البروتوكول.
معطيات
مغلوطة
يقول
السيد ماتو إن الاتحاد الأوروبي دفع لموريتانيا 70 مليون أورو: معلومة مغلوطة؛
لأنه لم يدفع سوى 67 مليون أورو، مما يعني وجود فرق يصل إلى 3 ملايين أورو.
وبالمناسبة تصل رسوم السفن الإسبانية التي تصيد الجمبري، والتي تعكّر صفونا منذ سنتين
اثنتين، إلى 2.1 مليون أورو سنويا.
يدعي
السيد ماتو أيضا أن موريتانيا "وقّعت مؤخرا اتفاقية مع روسيا...": هذا زور،
وهو تزوير أيضا؛ لأن هذه الكذبة أفادت في تصويت لجنة الصيد ضد البروتوكول.
إذَنْ:
إما أن السيد ماتو قد تعمد الكذب؛ وهذا أمر خطير جدا بالنسبة لعضو في برلمان بحجم
برلمان الاتحاد الأوروبي، وإما أنه كذَب عن جهل؛ وهذا أكثر خطورة؛ حيث يسهل كثيرا
التحقق من هذه المعطيات قبل إقحام الاتحاد الأوروبي فيها على أساس الباطل والخفة
والمسايرة.
تنازلات
لصالح سفن صيد الجمبري
يصف
السيد ماتو بـ "الهامشية" تلك التحسينات التي تم إدخالها لصالح سفن صيد
الجمبري. ونحن نعتقد، خلافا لذلك، أن هذه التحسينات مهمة للغاية؛ حيث:
-
تمت
زيادة الصيد العرضي من الرخويات من 0%
إلى 6%؛
-
تم
تقليص الرسوم من 620 أورو/للطن إلى 420 أورو/للطن؛
-
تمت
إزاحة تحديد المناطق، رغم قربها من الحظيرة الوطنية لحوض آرغين، بحوالي 4 كلم، وفقا
لرغبة طالما عبّر عنها الصيادون الإسبان؛ وهي أبعد ما تكون عن
"الهامشية" في مناطق شديدة الحساسية. وقد يؤدي الذهاب أبعد من هذا الحد
إلى إلحاق ضرر هامّ بصيد الرخويات، مما قد يؤدي إلى ارتجاع في عباب المياه، كما
أنه قد يتسبب في اندلاع نزاع مع الصيادين التقليديين.
-
أما
بالنسبة لصيد الأسماك التي تألف الشواطئ فقد ازدادت حصتها النسبية السنوية من 4
آلاف طن إلى 5 آلاف، بناء على طلب من بروكسل.
سفن
صيد الرخويات
لقد
تصدّر القبولُ الفاضح لسفن صيد الرخويات، سنة 1996، عناوين الصحف الموريتانية في
ذلك الوقت. والفاعلون الذين أجازوها في كلا الجانبين لا يزالون على قيد الحياة.
من
سنة 1996 إلى يوليو 2012 تسببت سفن الصيد في انهيار مخزون الرخويات، وهو ما شكّل
تهديدا، حتى، على وجود الصيادين الموريتانيين، خاصة التقليديين.
ومن
سنة 2005 وحتى استبعادها من المنطقة الاقتصادية الموريتانية الخاصة، ارتكبت هذه السفن
أسوأ الانتهاكات القانونية: لا أقل من 400 مخالفة خطيرة أو خطيرة جدا، بما في ذلك الاصطياد
واسع النطاق للأسماك الفتية، فضلا عن الاصطياد في المنطقة المحظورة، ومحاولات الارتشاء،
إلخ. وتم تحرير كل هذه الجرائم في محاضر رسمية، وتمت معاقبتها بشدة. بيد أنها لا
تُشكّل، بالتأكيد، سوى الجزء المرئي من جبل الجليد؛ حيث إن معظم المخالفات لم يتم
كشفها.
إن
سفن الصيد هذه هي التي تريد إسبانيا والنائب الأوروبي السيد ماتو إرجاعها من خلال البروتوكول،
تحت ذريعة "الصيد التجريبي" الكاذبة. ولكن عزمهما يصطدم بالإرادة
السياسية الموريتانية التي تحمي مصالح صياديها التقليديين ومواردها من الرخويات الموجودة
على حافة الانهيار، وفقا لاستنتاجات الاجتماع الأخير للمجلس العلمي المشترك
المنعقد في مدينة رَنْ في إبريل 2013.
نموذج
بالغورياس-سولاري
ما
هو؟ رغم أنه يجري الحديث عنه منذ سنتين، فإن
المفاوضين الموريتانيين لم يستطيعوا النفاذ إليه. يتعلق الأمر، وفقا للسيد ماتو،
بخطة استصلاح بمثابة معجزة – نعم! ويقول العلميون ذلك أحيانا- كفيلة بإعادة إحياء
مخزون الرخويات.
طريقة
الاستعمال: انتباه! إنها لا تعمل إلا في موريتانيا،
ولا تفيد إلا مع السفن الإسبانية لصيد الرخويات. وعلى سفن الصيد الأخرى الامتناع
عن المشاركة.
مؤسف
للغاية أن الإسبان الذين كانوا يصطادون في موريتانيا منذ زمن سحيق انتظروا حتى انهيار
الموارد، لإخراج هذه الخطة "العلمية" في اليوم الذي تم فيه إقصاء
أسطولهم من صيد الرخويات.
بسبب
شكوكنا وريبتنا - من يدري؟، اقترحنا على بروكسل حمل العلماء الإسبان على متن سفننا
الخاصة، أو –حتى- على سفن أجنبية، للبحث. ولكن من قبيل الصدفة، لا يمكن لهذه الخطة
أن تعمل إلا على متن السفن الإسبانية، وخاصة، تلك التي تسببت في نضوب الموارد
القاعية.. أمر غريب، أليس كذلك؟
نسبة
استخدام البروتوكول
يتناول
السيد ماتو هذه النقطة بالتأكيد، في البداية، أن استخدام البروتوكول ناقص من حيث
عدد التراخيص. والغريب أن هذه هي نفس الملاحظة التي يبديها بعض المسؤولين
الموريتانيين. ورغم ذلك فهم يعرفون، وهذا هو الجديد الأبرز في هذا البروتوكول، أن
موريتانيا تبيع حصة نسبية (كوتة)، وليس عددا معينا من التراخيص. في حين أن كل
الحصص النسبية، باستثناء الجمبري، تحظى بمعدل ممتاز من السحب.
ما
لن يقوله السيد ماتو
لا
يريد السيد ماتو أن يرى من منظار بابه إلا قدّام بيته، وبالتالي لن يتناول إلا ما
لا يعمل وفق فهمه. ولأنه انتقائي، فإنه يتحاشى التطرق لـ "الجزء الممتلئ من
الكأس". وهكذا فإنه لن يقول:
-
إن
27 قاربا إسبانيا يواصل الاصطياد في موريتانيا، منذ يوليو 2012. وكأن السيد ماتو
(ما لم يكن يخادع) يريد أن يضحي بمصالح هذه السفن لصالح 5 مراكب صيد "علمي
تجريبي" مربح جدا في الواقع؛
-
إن
سفن صيد الجمبري مدعومة، حتى 30 يونيو 2013، بسبب تكافلها مع سفن صيد الرخويات؛
-
إن
مستوى الاصطياد بعمق يتجاوز 20 ميلا بحريا لا يزال ممتازا، وإن 3 دول أعضاء في
الاتحاد الأوروبي نأت بنفسها عن موقف إسبانيا وبدأت، منذ يناير 2013، في الاصطياد
في المياه الموريتانية. هذا هو الحال بالنسبة لبولندا ولاتفيا وليتوانيا. وهذه
الدول الثلاث، مضافة إليها هولندا، تستحوذ تقريبا على كامل الحصة النسبية المخصصة
للاتحاد الأوروبي. وهي لا تزال تحلم بالأيام الخوالي للسردين المستدير بسعر 12
ميليما، بفضل سفنها الضخمة.
-
إن
موريتانيا ما كانت، بموجب البروتوكول السابق، تجبي رسوما من السفن الأوروبية إلا
بواقع 10 أورو/للطن (مقابل 123 أورو حاليا). في حين تتراوح هذه الرسوم اليوم بين
1600 و2000 أورو للطن الواحد من ماكريل؛
-
إن
هذا البروتوكول متوازن نسبيا، ويحترم مدونة السلوك المعتمدة من قبل منظمة الأغذية
والزراعة بشأن الصيد المسؤول؛
-
إن
هذا البروتوكول يتفق مع قرار البرلمان الأوروبي المتعلق باتفاق صيد الأعماق بين
موريتانيا والاتحاد الأوروبي ليوم 12 مايو 2011، والذي يوفر حماية للصيادين
الموريتانيين عبر إدخال مفهوم "الفائض"؛
-
إن
هذا البروتوكول أداة فعالة في مكافحة الهجرة غير الشرعية؛ لأنه يحافظ على وسائل
عيش الصيادين المحليين الذين يتحولون، عند فشلهم في مهمة الصيد، إلى مهربين
للأشخاص عبر الحدود؛
-
إن
هذا البروتوكول يأتي ثمرة لإرادة سياسية وطنية، مهما يقول عنها منتقدوها الوطنيون
والأجانب. وسوف يكون من الصعب تعديلها بضغوط لا تستند على حجج موضوعية وواقعية؛
-
إن
بعض "المحللين" المهتمين يقولون إنه لا مردودية للبروتوكول على
موريتانيا، متعللين بنقص قيمة الرسوم المدفوعة (وهو خاطئ) ومتناسين عمدا أننا يجب
أن نضيف إلى المعادلة أيضا احتكار الرخويات والسردين، دون إهمال حماية الموارد؛
وهي الحماية التي توفرها إعادة التحديد الجديدة المتمثلة في 20 ميلا بحريا.
من
خلال ما سبق ندرك أن ما يجعل الموقف الإسباني هشا هو ضعف الحجج، وليس عدم كفاءة أو
عدم تفاني مؤيديها الأوروبيين الذين أُجْبروا على الترافع عن قضايا خاسرة مقدما.
لقد
أدخل المفاوضون من الجانبين، وهم واعون لحقيقة أن أي مفاوضة هي بطبيعتها قابلة
للتحسين، عددا من التعديلات على البروتوكول الأصلي. وجاءت كل هذه التعديلات ثمرة للتنازلات
التي قدمها الطرف الموريتاني. وقد حكم الطرف الموريتاني في بحثه الدائم عن توافق
مع الطرف الآخر، مبدأين اثنين: المصالح الحيوية لصياديه، والحفاظ على موارده
السمكية. ولإرضاء إسبانيا وهولندا، كان على موريتانيا منحهما حق اصطياد الرخويات
والسردين المدوّر على التوالي. بعبارة أخرى، عليها انتزاعُ وسائل عيش الصيادين
الموريتانيين وممارسةُ صيد غير مستدام. لا أقل من ذلك.
وكنتيجة
منطقية، سوف يكون السيد ماتو ذا أقلية ضعيفة خلال الجلسة العلنية للبرلمان
الأوروبي؛ لأن نظراءه سوف يحذون حذوه ويصوّتون لمصالحهم الوطنية. وسوف يتحتم عليه أيضا
أن يطلب من أصحاب السفن التي تصطاد فعلا في المياه الموريتانية تقديم تضحية من أجل
الآخرين مقابل أن يجد لهم دعما جديدا. وهو ما لن يكون سهلا في الوقت الحاضر.
رغم
كل ما سبق، فمن الممكن أن يفلح، كما أفلح في لجنة الصيد، في حشد أغلبية برلمانية ضد
البروتوكول. فهو ينتمي لمجموعة PPE التي تتمتع بأغلبية
في البرلمان. كما أن بإمكانه، خلافا لموريتانيا، إنشاء مجموعة ضغط لصالح هدفه. وبالإضافة
إلى ذلك فإن العديد من النواب الأوروبيين الذين يجهلون الملف ولا يجدون وقتا كافيا
للاطلاع عليه، ربما ينصاعون لتعليمات التصويت الموجهة إليهم من قبَل فرقهم
السياسية؛ لا اقتناعا بها، وإنما بشكل افتراضي.
إذا
حدث مثل هذا السيناريو، المحتمل قليلا ولكنه غير مستحيل، فقد يضع برلمان الاتحاد
الأوروبي في تناقض مع قراره؛ وسيكلف إسبانيا كثيرا قبل الجميع.
على
إسبانيا أن تعرف أنها حتى ولو لم تحصل على كل ما تريده، فهناك حقيقةُ أن موريتانيا
تفسح المجال أمام كل أسطولها (60 سفينة صيد) مُقصية، بذلك، بعض سفن الصيد
الإسبانية، للصالح الحصري لصياديها (الأكثر عددا والأمسّ حاجة).
صحيح
أن السفن الإسبانية تصطاد، مجانا، في مياهنا منذ عدة قرون، لكنها، ما لم تحتجّ بالقانون
العرفي للملكية، يجب أن تواجه الحقائق: فموريتانيا لم تعد تستطيع إرضاء كل الأسطول
الإسباني. وعلى إسبانيا أن تتذكر أن سفن صيدها مقصية، منذ سنة 1996 وحتى اليوم، من
الاتفاق الموقع، في سياق شبيه بهذا السياق، بين المغرب والاتحاد الأوروبي، رغم
تعريضها للمغرب لضغوط أكثر أهمية مما تُعرض لها موريتانيا. في حين لا تزال موريتانيا
تقبل سفن صيد الجمبري.
يفرض
الحس السليم، إذَنْ، وبعد ما يكفي من التراجع، (3 سنوات من الضغط) أن تختار إسبانيا،
وبكل ثقة، أخف الضررين، وتنزع، قبل فوات الأوان، فتيل قنبلة ماتو التي تسيء إلى الجميع
–بما في ذلك إسبانيا نفسها-.
لقد
وضعت موريتانيا الروسيين خارج اللعبة، كما حدّت من الصينيين المستثمرين في
هوندونغ، وقدّمت تنازلات هامة لبروكسل من أجل إنقاذ البروتوكول.
وبقيت
موريتانيا هادئة في مواجهة الهجمات المتكررة ضد مصالحها الحيوية، رغم أن لديها
أكثر من بطاقة يمكنها أن تلعبها. وإسبانيا هي أكثر العارفين بذلك.
وإذا
ما تم، خلافا لكل منطق، رفض البروتوكول من قبَل الاتحاد الأوروبي، فإن موريتانيا
لن تكون الخاسر الأكبر. فهي ستظل دائما تبيع أسماك أعماقها، في ظل الارتفاع الحادّ
للطلب والانخفاض الملحوظ في العرض.
وبالنسبة
لأصحاب السفن الإسبانية فسيكون عليها أن تقول: وداعا أيها الأخطبوط والجمبري! وكذلك،
أيضا، السمك الأليف للشواطئ، وسمك التونة، والبوري... إلخ.
وسوف
يترتب على هذا الأمر تأثير غير مستحب لدى أصحاب السفن الأوروبية، يتمثل في التعجيل
بالمسلسل الذي تم إطلاقه بخصوص صناعة صيد وطني هو البديل الحقيقي لاتفاقية صيد
أعماق منقطعة النفَس. وإن كانت السفن الأوروبية سوف تبقى بمثابة شر لا بد منه، على
الأقل بالنسبة للصيد العرضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق